[الكلام في حجية الظواهر]
إذا عرفت ما ذكرنا فيقع الكلام حينئذ في وقوع التعبّد الشرعي ببعض الأمارات وعدمه فنقول : الحقّ هو وقوع التعبّد بجملة من الأمارات الظنيّة ، فمنها : الظهور فإنّ بناء العقلاء على اتّباع ظهورات كلمات المتكلّمين في مقام النزاع والمخاصمات والإقرارات وغيرها وحيث لم يردع الشارع المقدّس عن هذا البناء في الجملة فيثبت إمضاؤه بناء العقلاء باتّباع ظواهر الألفاظ في الجملة. وبالجملة فتعبّد الشارع بحجّية الظواهر في الجملة لا يختلف فيه اثنان ، بل هو من الامور المعلومة بالضرورة.
وإنّما وقع الكلام في بعض خصوصيات المقام وهي ثلاثة امور :
الأوّل في أنّه هل يعتبر في حجّية الظواهر الظنّ بالوفاق أو عدم الظنّ بالخلاف أم لا يعتبر شيء من ذلك؟
الثاني في أنّه هل يعتبر في حجّية ظواهر الألفاظ كون المخاطب مقصودا بالخطاب أو مقصودا بالإفهام أو لا يعتبر ذلك؟
الثالث في أنّ ظواهر الكتاب حجّة وإن لم يرد تفسيرها من الأئمّة أم أنّ حجّية ظواهر الآيات مختصّ بخصوص ما ورد تفسيره منهم عليهمالسلام؟
أمّا الكلام في الأمر الأوّل فينبغي أن يقال : إنّ موارد العمل بظهور الألفاظ تختلف ، فتارة يكون في مقام إدراك الواقع وتحصيله نظير الطبيب الّذي يأمر المريض بالدواء الفلاني فهنا لا بدّ من حصول الظنّ له بل الاطمينان بكون ظاهر كلامه موافقا لمراده لا أقلّ من انتفاء الظنّ بالخلاف ، وتارة يكون مقام العمل بالظواهر مقام احتجاج العبد على ربّه واحتجاج الربّ على عبده فهنا لا يعتبر الظنّ بالوفاق أو عدم الظنّ بالخلاف ، ومقامنا مقام الحجّية الّتي هي بمعنى جواز الإسناد والاستناد وهما لا يفتقران إلى الظنّ بالوفاق أو إلى عدم الظنّ بالخلاف أصلا ،