الكلام في حجّية قول اللغوي
إذا كان عدم انعقاد الظهور من جهة عدم المعرفة بأوضاع مفردات الكلام فهل يسوغ الرجوع إلى قول اللغوي لتعيين الأوضاع أم لا؟ أمّا الرجوع إليه من باب أنّه ظنّ فقد مرّ مرارا أنّ مطلق الظنّ ليس بحجّة بعد العمومات الناهية عن اتّباع الظنّ ، نعم ذكروا للرجوع إلى قول اللغوي وجوها ثلاثة :
أحدها : أنّ الرجوع إلى قول اللغوي في تعيين الأوضاع من باب الرجوع إلى أهل الخبرة نظير رجوع الجاهل العامي إلى المقلّد ، ومعلوم أنّ الرجوع إلى أهل الخبرة سيرة العقلاء ولا يعتبر فيهم العدالة وأن يكون المخبر أكثر من واحد ، لأنّها ليست شهادة حتّى يعتبر فيها ما يعتبر فيها.
والجواب : أنّ اللغوي ليس من أهل الخبرة في الأوضاع ، وإنّما هو من أهل الخبرة بموارد الاستعمال ، وليس الرجوع إليه فيه رجوعا إلى أهل الخبرة ، بل من باب الشهادة ، لأنّ الفرق بين باب الرجوع إلى أهل الخبرة وباب الشهادات أنّ ما يفتقر إلى إعمال رأي ونظر فالرجوع فيه إلى أهل النظر رجوع إلى الخبرة ، وإن لم يفتقر إلى إعمال رأي ونظر بل إلى صرف مجرد الرؤية نظير كون قصيدة امرئ القيس مثلا ثلاثين بيتا أو أكثر مثلا فهو باب الشهادة. ومعلوم أنّ موارد الاستعمال من الامور الّتي لا تفتقر إلى أزيد من التتبّع والوقوف عليه ، وهو من الامور المحسوسة لكلّ أحد ، غير أنّ اللغوي وقف عليها لتتبّعه وغيره لم يقف لأنّه لم يكن بصدد التتبّع ولو كان بصدده لوقف. وحينئذ فليس الرجوع إلى قول اللغوي في تعيين موارد الاستعمال رجوعا إلى أهل الخبرة ، بل هو من باب الشهادة فيعتبر فيه ما يعتبر فيها ، فافهم وتأمّل.