وبهذا يرتفع الإيراد من كلتا الجهتين :
أمّا من الجهة الاولى فواضح ، إذ أنّ آية النبأ بمفهومها قد أثبتت إخبار محمّد بن عيسى للكليني مثلا ، ولكن حكم إخبار الإمام لمحمّد بن عيسى مثلا ليس بنفس الحكم بوجوب تصديق الكليني ، ولكنّه بوجوب تصديق آخر لخبر محمّد بن عيسى وليس شخص الأوّل بل مثله ، وحينئذ فلا يلزم تأخّر ما هو متقدّم أصلا.
وأمّا من الجهة الثانية فكذلك أيضا ، لأنّ أثر إخبار محمّد بن عيسى للكليني وجوب التصديق له مع قطع النظر عن دليل حجّية خبر الكليني ، وهو وجوب التصديق الشخصي للكليني ، فافهم.
وقد ظهر أنّ مفاد جعل الحجّية جعل سلسلة علوم طوليّة تعبّدا وهي تحقّق وصول كلّ علم منها مع الواسطة وأثرها هو الأثر الأخير ، وهو تحقّق قول المعصوم عليهالسلام.
وقد يتوهّم أنّ وجوب التصديق للكليني يكون محقّقا لموضوع خبر محمّد بن عيسى ، وحينئذ فالآية بالنسبة إلى خبر محمّد بن عيسى حاكمة ومحقّقة له ، والحاكم يلزم أن يكون مغايرا لدليل المحكوم وناظرا إليه.
وجوابه : أنّ الحكومة قد تكون بأن يكون أحد الدليلين مفسّرا لكلمة موجودة في الدليل الثاني ومبيّنة للمراد منها ، مثال ذلك ما ورد فيمن سأله عن مسألة فأجابه الإمام عليهالسلام «يعيد» فقال السائل : إنّك قلت إنّ الفقيه لا يعيد صلاته ، فأجابه الإمام عليهالسلام إنّما عنيت الشاكّ بين الثلاث والأربع (١) فقد بيّن الإمام عليهالسلام بهذا الدليل مراده من عدم إعادة الفقيه صلاته ، وهذا القسم من الحكومة قليل جدّا في الأحكام الشرعيّة.
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢٠ ، الباب ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣ (مع تفاوت يسير).