من قوله عليهالسلام : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (١) وغيرها (٢) من الأخبار الّتي يظهر منها جواز الأخذ بأقوالهم الّتي يروونها عنهم عليهمالسلام وطرح اعتقاداتهم الفاسدة فافهم. فقد ظهر أنّ الآية يمكن أن يستفاد منها مفهوما ومنطوقا حجّية أقسام الخبر الأربعة.
الآية الثانية من الآيات الّتي استدلّ بها على حجّية أخبار الآحاد آية النفر وهي قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(٣) ووجه الاستدلال بهذه الآية أنّه تعالى أمر بالنفر لأجل التفقّه والإنذار لقومهم ، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي التفريق ، فيكون المأمور به أن ينذر كلّ واحد جماعة. ودعوى : أنّ الاستغراق لا ينافي التقييد ، مسلّمة إلّا أنّه لا مقتضي للتقييد بعد ظهور الآية في التفريق فالمانع إثباتي لا ثبوتي.
وقد جعل الغاية من انذارهم الحذر العملي بمعنى التحفّظ عن ترك أوامر المولى ، ومدخول «لعلّ» يلزم أن يكون هو العلّة الغائيّة لما قبلها فتارة لا تكون قابلة للتكليف مثل «استغفر ربّك لعلّه يغفر لك» ففي مثل المقام تكون حكمة للأمر ، وحيث تكون قابلة للتكليف كما في مثل المقام فلا ريب في تعلّق التكليف بها حينئذ ، فيكون الحذر مأمورا به لوقوعه علّة غائيّة لما امر به ، وحينئذ فهو مأمور به من نفس سياق الآية لا من باب حسنه وأنّه إذا ثبت حسنه ثبت وجوبه ، وإذا ثبت وجوب الحذر فلا بدّ أن يكون وجوب الحذر مستندا إلى قبول قول ذلك المنذر وإلّا لم يكن معنى لوجوب الحذر ، وقبول قول ذلك المنذر هو معنى حجّية خبر العادل ، فيتمّ المطلوب بهذا التقرير ، فافهم.
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٧٢ ، الباب ٨ من صفات القاضي ، الحديث ٧٩.
(٢) المصدر السابق : الحديث ٧٦ و ٨٠ وغيرهما.
(٣) التوبة : ١٢٢.