فالأولى في الجواب أن يقال : إنّ عمل العقلاء بأخبار الآحاد لا يعدّونه عملا بالظنّ ولا عملا بغير علم بل يرونه عملا بعلم ، وحينئذ فليس ظنّا عندهم ولا غير علم ليكون ما دلّ على المنع عن العمل بالظنّ أو غير العلم رادعا عنها أصلا ـ لو سلّمنا مولويّتها ـ لأنّهم لا يرونها رادعة عنه أصلا ، فلا بدّ عند إرادة الشارع الردع عنها أن يردع عنها بخصوصها لا بعموم لا يرى بحسب العرف شاملا لها وليس ذلك بموجود ، فافهم.
ثمّ إنّ السيرة المذكورة إنّما هي على العمل بالأخبار الموثوقة سواء كان موثوقيّتها من جهة وثاقة رواتها أو من جهة موثوقيّتها بنفسها لجبرها بعمل المشهور وقبولهم لها ، فيثبت حجّية الخبر الموثوق مطلقا بالسيرة وإن كان راويه ضعيفا إذا كان الخبر معمولا به بين الأصحاب. فقد ظهر حجّية خبر الواحد بالكتاب والسنّة والسيرة العمليّة.
[الاستدلال بالوجوه العقلية على حجّية خبر الواحد]
بقي الكلام في الوجوه العقليّة الّتي اقيمت على حجّية الخبر :
أوّلها : أنّ لنا علما إجماليّا بصدور بعض هذه الأخبار الّتي بأيدينا عن أئمّتنا عليهمالسلام فمقتضى هذا العلم الإجمالي وجوب العمل بالأخبار ، ودعوى حصول العلم الإجمالي بصدق بعض هذه الأخبار واضحة بعد ما عرف اهتمام اصحابنا بتنقيحها وتمحيصها عن الأخبار المدسوسة. وبالجملة فهذا الاهتمام من أصحابنا يشرف على القطع بصحّة أكثر أخبار الكتب الأربعة ، وحيث يحصل العلم الإجمالي بصدق بعضها يجب الاحتياط إن لم يؤدّ إلى العسر والحرج أو اختلال النظام ، وإن أدّى فالعمل بخصوص الأخبار المظنون صدورها أرجح من المشكوك صدورها والمحتمل.
وقد أورد الشيخ الأنصاري قدسسره على هذا الوجه بأنّ الوجه في لزوم العمل بالأخبار إنّما هو كونها متكفّلة بالأحكام الواقعيّة ، وحينئذ فالعلم الإجمالي