وما قيل : من أنّ حجّية الظهور لا يرفع اليد عنها إلّا بالحجّة الأقوى ، صحيح إلّا أنّ المفروض وجود الحجّة وهو العلم الإجمالي (*). فهو كالعلم التفصيلي ، وحينئذ فلا ثمرة بين القولين هنا.
وأمّا في الصورة الثانية ، وهي صورة قيام العموم والإطلاق على حكم إلزامي وقيام الخبر على حكم غير إلزامي ، مثل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقوله : لا بأس بالربا من اليهودي ـ مثلا ـ فبناء على حجّية الخبر الواحد يكون مخصّصا أو مقيّدا ، وبناء على عدم الحجّية والعمل به من باب الاحتياط فلا يمكن العمل به ، إذ الاحتياط هنا ينافي الاحتياط ولم يعلم حجّية هذا الخبر بخصوصه.
(والعلم الإجمالي لا أثر له في المقام ، لعدم تنجيزه بالاضافة إلى هذا الفرد ، لأنّ العلم الإجمالي بالإباحة لا أثر له) (١). وبالجملة هنا تظهر الثمرة بين القولين.
فملخّص الجواب عن هذا الدليل العقلي أنّه يوجب العمل بالأخبار المثبتة دون النافية.
بقي شيء وهو أنّه قد يكون الأصل العملي أو اللفظي مثبتا لحكم إلزامي والخبر مثبتا لحكم إلزامي بخلافه ، مثل أن يتكفّل الأصل الوجوب ويتكفّل الخبر الحرمة فأحدهما يلزم بالفعل ، والآخر بالترك ، فهنا إن عملنا بالخبر من باب أنّه حجّة فلا إشكال في تقديمه ، لأنّه يكون رافعا لموضوع الأصل العملي لعدم الشكّ حينئذ ، ومقيّدا أو مخصّصا للأصل اللفظي. وإن عملنا بالخبر من باب العلم الإجمالي مع علمنا إجمالا ببقاء بعض العمومات في الكتاب والسنّة مرادة بعمومها فهنا يكون مورد ذلك الخبر طرفا لعلمين إجماليّين :
__________________
(*) المراد به العلم الإجمالي بتخصيص بعض عمومات الكتاب وتقييد بعض إطلاقاته ، ومعه لا تجري أصالة العموم أو أصالة الإطلاق ، ومع عدم الجريان فالعلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار يقتضي الاحتياط. (من إضافات بعض الدورات اللاحقة).
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.