بقي هناك في فقه حديث الرفع وفهمه أشياء ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : أنّ الرفع يقتضي أن تكون هذه الأحكام ثابتة فترفع ، وأمّا إذا لم تكن ثابتة فلا معنى للتعبير بالرفع ، بل ينبغي أن يعبّر في مثله بالدفع.
وقد أجاب الميرزا النائيني قدسسره (١) عنه بأنّ الرفع والدفع مترادفان لمعنى واحد وأنّ مؤدّى أحدهما مؤدّى للآخر ، نظير إنسان وبشر ، وذلك أنّا إن قلنا بأنّ الشيء الممكن يحتاج حدوثه إلى علّة ولكن بقاءه مستغن عن العلّة لكان بين الرفع والدفع تفاوت ، ولكنّا نرى أنّ الممكن كما يحتاج حدوثه إلى علّة يحتاج بقاؤه إلى علّة ، وحينئذ فالرافع للموجود دافع أيضا لعلّته.
وما ذكره قدسسره وإن كان لا محيص عن الالتزام به لكنّه لا يدفع الإيراد ، لأنّ كون حقيقتهما واحدة لا تمنع أن يكون أفراد الحقيقة الواحدة قد وضع لها لفظ لم يوضع لبقيّة الأفراد ، بل قد وضع لبقيّة الأفراد لفظ آخر ، فهو نظير حقيقة واحدة تسمّى بالليل باسم وبالنهار باسم آخر.
وبالجملة ، فالوضع أمر توقيفي يتبع به الواضع ، فلو خصّ بعض أفراد الحقيقة بلفظ وبعضها الآخر بلفظ آخر لا يمكن مخالفته بدعوى وحدة الحقيقة.
فالاولى في الجواب أن يقال : لا بدّ من التزام أحد أمرين :
فإمّا أن يقال بأنّ هذه الأحكام كانت مكتوبة على الامم السابقة ولو في بعض موارد الاضطرار وبعض موارد عدم العلم وكذا البواقي وقد رفعها الله عن هذه الامّة ، كما هو ظاهر قوله : «عن امّتي».
وإمّا أن يقال بأنّ المصالح المقتضية والداعية إلى جعل الأحكام لمّا كانت موجودة حتّى في الأحكام المجهولة الّتي لا يعلم بها المكلّف كان عدم جعل الشارع لها باعتبار كونها قريبة من الوجود لوجود مقتضياتها رفعا ، وهذا الإطلاق أيضا شائع في العرف حيث يكون المرفوع بهذا النحو ، فافهم.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٢٩٧ ، وفوائد الاصول ٣ : ٣٣٧.