الثالث : أن يدّعى الاتّفاق على أنّ الحكم الشرعي الظاهري للحكم المجهول هو الترخيص. وهذا الاتّفاق لو تمّ لنفعنا إلّا أنّه غير تامّ ، لأنّ جملة من أساطين علمائنا وهم الأخباريّون قائلون بوجوب الاحتياط في الحكم الشرعي المجهول ، إمّا مطلقا كما هو ظاهر كلام المحدّث الأسترآبادي ، أو في خصوص الشبهة التحريميّة كما هو رأي المشهور منهم ، وحينئذ فلا إجماع.
وبالجملة ، فما يجدي من الإجماع ليس بمحقّق ، وما هو محقّق لا يجدي ، فالاستدلال بإجماع لا وجه له.
[الاستدلال بدليل العقل على البراءة]
وأمّا دليل العقل فلا ريب في أنّ الحكم العقلي القطعي قائم على قبح العقاب بلا بيان ، وذلك لأنّ التكليف بما هو هو لا باعثيّة ولا زاجريّة له ، وإنّما الباعثيّة والزاجريّة من تبعات وصول التكليف. فكما أنّ الإرادة والشوق في نفس المولى ليس لهما باعثيّة وزاجريّة إلى الفعل المشتاق إليه المولى ، كذلك حكمه المجعول إن لم يصل إلى المكلّف مع فحصه وتتبّعه بمقدار طاقته لا يكون محرّكا نحو العمل أصلا ، وكذا إذا وصل إلى جماعة ولم يصل إلى آخرين يستحيل عقلا أن يكون محرّكا لمن لم يصل إليهم. ونظيره في العرفيّات كثير فإنّ الإنسان قد يموت من العطش والماء في رحله ، وقد تنهشه الأفعى المتحرّز منها إذا لم يعلم بمماسّتها لبدنه.
وبالجملة ، البعث والزجر إنّما هما نتيجة العلم بالباعث والزاجر قطعا ، فإذا كان القصور من جهة المولى في باعثيّته وزاجريّته فالعقل مستقلّ بقبح العقاب بلا بيان.
والظاهر أنّ هذا الحكم العقلي ليس محلّا للكلام عند الأخباريّين أصلا ، وإنّما يدّعون أنّ أخبار الاحتياط صالحة للبيان ، فمع وجودها يرتفع موضوع اللّابيان.
نعم ، ناقش بعض الاصوليّين في قاعدة قبح العقاب بلا بيان بأنّ هذه القاعدة إن سلّمت فهي معارضة بحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل.