الثاني : أنّ استصحاب عدم الإنشاء لا يثبت عدم الفعليّة إلّا بالأصل المثبت ، توضيحه : أنّ الاستصحاب بالنسبة إلى تكليفي إنّما يكون المستصحب فيه حكما إنشائيّا ، لأنّ الموضوع الخاصّ وهو المكلّف الخاصّ لم يكن حينئذ ، فالتكليف بالنسبة إلى المستصحب إنشائي ، فإذا استصحب المكلّف عدم ذلك الحكم الإنشائي في أوّل البعثة مثلا فبالملازمة العقليّة تنتفي فعليّة التكليف ، فإنّ عدم الجعل لا تثبت عدم المجعول وهذا معنى المثبت.
والجواب نقضا وحلّا.
أمّا الأوّل : فباستصحاب بقاء الجعل المعبّر عنه بعدم النسخ فإنّ استصحاب عدم النسخ ثابت لدى الاصوليّين والأخباريّين مع أنّ المحذور بعينه ثابت ، فإنّه كما أنّ عدم الجعل لا يثبت عدم المجعول ، فكذلك بقاء الجعل لا يثبت بقاء المجعول ، فمن شكّ في وجوب صلاة الجمعة عليه يومها يستصحب عدم النسخ بلا نكير ، مع أنّ الحكم الإنشائي لا يثبت باستصحابه الحكم الفعلي على ما ذهب إليه الميرزا قدسسره.
وأمّا الثاني : وهو الحلّ ، وتقريبه : أنّ الحكم كما ذكرنا ليس إلّا اعتبار المولى كون العمل على ذمّة المكلّف ، فإذا كان الحكم هو الاعتبار فيجوز أن يتعلّق بأمر متأخّر كما يتعلّق اللحاظ والتصوّر الذهني له ، وحينئذ فالحكم الإنشائي هو عين الحكم الفعلي ، ولا فرق بينهما أصلا إلّا وجود الموضوع وعدمه ، فإنّ صيرورة الحكم فعليّا بوجود موضوعه أمر قسريّ ، وإلّا فالحكم في عالم الإنشاء هو صرف الاعتبار ، وفي عالم الفعليّة هو صرف الاعتبار ، فليس أحدهما غير الآخر حتّى لا يثبت أحدهما باستصحاب الثاني. فظهر أنّ هذا الاستصحاب لا إيراد عليه ، وحينئذ فإذا كان استصحاب عدم الجعل ثابتا لا يبقى مورد لأخبار البراءة حينئذ ، إذ حينئذ يصير علما بالعدم ، فتختصّ أخبار البراءة بالشبهة الموضوعيّة والحكميّة الغير المسبوقة بالحالة السابقة.