وأمّا أخبار الاحتياط فنسبتها مع أخبار البراءة عين هذه النسبة ، والعلاج عين العلاج ، غير أنّ الشبهة الأخيرة غير جارية ؛ لأنّ العموم فيها إطلاقي) (١).
هذا تمام الكلام في استدلال الأخباريّين بالأخبار.
وأمّا استدلالهم بدليل العقل :
فتقريره أن يقال : إنّ المكلّف عند بلوغه أوان تكليفه يعلم إجمالا أنّ عليه تكاليف فيجب عليه مراعاتها للعلم الإجمالي بها ، فهي حينئذ منجّزة ، فالتكليف حينئذ متعيّن بالاحتياط في جميعها ، وليس العلم بجملة منها نافيا لثبوت أحكام أخر ، فلا يمكن بالعلم بجملة منها نفي الباقي أصلا. وبهذا التقرير علم أنّ جواب الآخوند قدسسره (٢) من أنّ هذا العلم منحلّ نظير أن يعلم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ثمّ تقوم البيّنة بأنّ النجس الواقعي هو هذا الإناء بخصوصه ، فإنّ الثاني يجوز استعماله حينئذ غير صحيح ، لأنّ هذا الكلام حيث يكون العلم الإجمالي علما بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر صحيح ، إذ إثبات نجاسة النجس الواقعي في أحدهما تنفي نجاسة الآخر ، والمقام ليس من هذا القبيل ، فإنّ ثبوت جملة من الأحكام لا تنفي البقيّة ، فالمثال المناسب للمقام أن يعلم بنجاسة أحد الإناءين فتقوم البيّنة على أنّ هذا الإناء نجس ، فإنّه لا ينفي نجاسة الآخر ، إذ من المحتمل نجاسة كليهما ، والمقام من هذا القبيل.
والجواب عن هذا العلم الإجمالي نقضي تارة ، وحلّي اخرى.
أمّا الجواب النقضي ، فهو أنّ هذا الدليل قاض بلزوم الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة أيضا ، فما جوابكم عنه في الشبهة الوجوبيّة يكون جوابا لنا في الشبهة التحريميّة فتأمّل (*).
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) كفاية الاصول : ٣٩٥.
(*) أشار بالأمر بالتأمّل إلى احتمال كون الدليل لهم هو الإجماع وهو مفقود في غير الشبهة الوجوبيّة فتأمّل. (الجواهري).