التنبيه الثاني : لا ريب في حسن الاحتياط وحصول المقصود ممّا يحتاط فيه حيث يكون أمرا توصّليّا كما في غسل الثوب ، فإنّ من شكّ في إصابة النجاسة لثوبه لا ريب في حصول المقصود لو غسله ، بل يكون غسله له نحو انقياد يثاب عليه. كما لا ريب في حسنه في العبادة حيث يشكّ في وجوبها وعدم وجوبها بعد إحراز مطلق الرجحان فيأتي بها احتياطا ، كما لو شكّ في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وعدم وجوبه فيأتي به ، لأنّه أحرز رجحانه قطعا.
نعم ، يفوته ـ على ما زعمه السيّد الاستاذ السيّد أبو القاسم الخوئي (١) مدّ في عمره ـ قصد الوجه وهو غير معتبر مطلقا ، أو حيث لا يمكن تحصيله كما في المقام ، فإنّ القائل بوجوبه إنّما يقول بوجوبه حيث يمكن ولا يقول بوجوبه مطلقا. والظاهر أنّه لا يفوته قصد الوجه فإنّه يستطيع إتيانه بوجهه الواقعي ، نعم يفوته التمييز ، وحكمه حكم قصد الوجه في عدم الاعتبار ، وعلى تقدير الاعتبار فحيث يمكن.
وأمّا لو شكّ في أصل رجحان العمل وعباديّته بأن شكّ في توجّه الأمر إليه وعدمه فهنا يتوجّه الإشكال المعروف أنّه لو أتى به بدون قصد الأمر لا يكون عبادة لتقوّمها به ، وإن أتى به بقصد الأمر فيكون تشريعا محرّما ، لأنّ التشريع إدخال ما لم يعلم أنّه من الدين في الدين ، والمفروض أنّا لم نعلم أنّ هذا من الدين فإتيانه بقصد الأمر يكون إدخالا له في الدين.
ولا يقال : إنّ حكم العقل بالاحتياط أو إدراك العقل حسن الاحتياط يستدعي حكم الشارع على طبقه لقاعدة الملازمة بين حكميهما ، لأنّ الكلام بعد في إمكان الاحتياط ، وهذا الكلام إنّما يأتي لو تحقّق إمكان الاحتياط.
والظاهر إمكان الاحتياط في المقام بإتيان هذا العمل المشكوك عباديّته برجاء الأمر ورجاء كونه مطلوبا ، وهذا يتمّ على جميع الأقوال في عباديّة العبادة وهي قول
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٥٣.