فقد ظهر ممّا حرّرناه أنّ أوامر الاحتياط عرضيّة بالإضافة إلى الأوامر الواقعيّة ، لأنّ الوجهين الدالّين على الطوليّة غير تامّين.
أمّا الأوّل منهما فلابتنائه على الفرق بين سنخ الأوامر التوصّليّة والتعبّديّة ، وهو باطل كما ذكرنا.
وأمّا الثاني فلابتنائه على أخذ قصد الأمر رجاء في مفهوم الاحتياط ، وهو غير مسلّم ؛ لأنّ مفهوم الاحتياط هو الإتيان بعمل لو فرض كونه مطلوبا في الواقع لسقط أمره به ، ويكفي في ذلك إتيانه بوجه قربي.
نعم ، قبل الأمر بالاحتياط كان الاحتياط منحصرا بالإتيان به رجاء ، ولكنّه بعد الأمر بالاحتياط صار له طريق آخر وهو إضافته إلى الله بهذا الأمر الاستحبابي. وكأنّ هذا الوجه مبنيّ على الخلط بين مورد الاحتياط الّذي يعتبر فيه احتمال بقاء الأمر الواقعي وبين مفهومه ، فتخيّل دخالته في المفهوم وليس كذلك ، فإنّ الرجاء وإن كفى إلّا أنّه لا لخصوصيّة له ، بل من جهة أنّه أحد طرق الإضافة ، فافهم.
ولا حاجة إلى ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره من انقسام الأوامر النذريّة في الشريعة إلى تعبّديّة وهي ما كان متعلّقه عبادة ، وتوصّليّة وهي ما كان متعلّقه توصّليّا أصلا.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره من توقّف الإتيان بالمستحبّ على قصد الأمر بالواقع المحتمل لا يستقيم على مبناه أيضا.
[التنبيه الثالث] : بقي الكلام في أخبار «من بلغ» وهي أخبار كثيرة بلسان أنّه «من بلغه ثواب على عمل فعمله أوتيه وإن لم يكن كما بلغه» وهذه الأخبار أخبار كثيرة وصحيحة ، وقد عقد لها الحرّ العاملي قدسسره في الوسائل بابا في مقدّمة العبادات ، وسرد أخبارا تسعة بهذه المضامين (١).
__________________
(١) الوسائل ١ : ٥٩ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمة العبادات.