وربّما يقال بأنّ الإتيان بالفاء في قوله : «فعمله» دالّ على كون العمل من جهة إدراك الواقع وبلوغ الثواب له ، مع أنّ بعض تلك الروايات مقيّد بقوله «طلبا لقول النبيّ» وبعضها مقيّد «بالالتماس للثواب» فيقيّد تلك المطلقات ، وعدم حمل المطلق على المقيّد في المستحبّات إنّما هو من جهة احتمال وجود محبوبين : أحدهما المقيّد والآخر المطلق ، وهو مفقود في المقام ، لأنّ العمل المحبوب في المقام واحد قطعا ، فإمّا المطلق أو المقيّد فيحمل المطلق على المقيّد ولا يتوقّف.
وقد أجاب الآخوند قدسسره عن الشبهة الاولى ـ وهي شبهة التفريع بالفاء ـ بأنّ التفريع إنّما يعطي أنّ الباعث لذلك العمل والداعي له هو بلوغ الثواب ، ولا يقتضي أن يكون العمل المدعوّ إليه معنونا بكون الإتيان به بقيد رجاء إدراك المستحبّ الواقعي.
وعن الشبهة الثانية ـ وهي شبهة كون بعض هذه الروايات مقيّدة بالتماس الثواب وطلب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله أي مقوله ـ بأنّ موضوع هذه الروايات استحباب الانقياد إرشادا إلى حكم العقل بحسنه (١) ولكن هذا لا يقتضي أن تكون الروايات المطلقة أيضا أمرها إرشاديّا ، وملخّصه أنّ موضوع الروايات المطلقة استحباب ذات العمل وموضوع المقيّدة استحباب الانقياد إرشادا إلى حكم العقل بحسنه ، فموضوع كلّ منهما غير موضوع الآخر فلا مجال لحمل المطلق على المقيّد أصلا في المقام.
والتحقيق في الجواب عن الشبهة الاولى أنّ التفريع إنّما يقضي بكون العمل الخارجي متفرّعا على بلوغ الثواب عليه لا أزيد من ذلك ، ولا يقتضي كون الإتيان به برجاء الأمر الواقعي الّذي هو محلّ الكلام إذ إنّ الباعث في المستحبّ القطعي أيضا هو بلوغ الثواب ، فلا ريب أنّ التفريع إنّما يقضي بكون العمل مبعوثا إليه من جهة بلوغ الثواب ، فالداعي إذا كان بلوغ الثواب فلا يضرّنا أصلا ، وإنّما يضرّنا كون إتيان العمل لرجاء إدراك الواقع محبوبا ، وأحدهما غير الآخر.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٠٢.