نعم ، في بعض الأخبار : «من بلغه خير» (١) لكنّ ذيل هذا الخبر «فعمله» وهو ممّا يعطي كون الخير في العمل لا في تركه ، والمناط وهو إرادة التوسعة فيما لا إلزام فيه ، وإن كان يقضي بدخول المكروه أيضا لكنّه ليس قطعيّا ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.
(نعم ، لو كان الترك محبوبا شرعا كما في ترك المخيط والطيب لمن أحلّ من إحرامه بالحجّ بالطواف والسعي فإنّه يستحبّ له ترك لبس المخيط والطيب حتّى يطوف طواف النساء ، فلو كان الخبر الدال على ذلك ضعيفا فهو وإن لم تشمله أخبار من بلغ بمنطوقها ، لأنّها ظاهرة في الأفعال الوجوديّة إلّا أنّها شاملة لها ملاكا قطعا ، وتعبير الأخبار «بعمل» وبقوله «فعمله» من جهة كون غالب المستحبّات وجوديّة.
وحينئذ فلو كان العمل الواحد فيه خبران ضعيفان : أحدهما يقتضي استحباب فعله ، والآخر يقتضي استحباب تركه ، فالظاهر أنّهما من باب المتزاحمات حيث يكونان من قبيل الضدّين اللذين لهما ثالث وتزاحم المستحبّات دائمي ، فإنّ استحباب قراءة القرآن والدعاء والوعظ ثابت في كلّ آن لكلّ مكلّف.
نعم ، لو كانا من قبيل الفعل والترك أو الحركة والسكون من النقيضين أو الضدّين اللذين لا ثالث لهما كانا من باب المتعارضين ، إذ استحباب كلّ منهما عرضا غير معقول ، لعدم القدرة عليهما معا في زمان واحد ، واستحباب أحدهما في ظرف ترك الآخر أيضا محال ، لكونه حاصلا حينئذ بالضرورة ، فلا معنى لطلبه حينئذ فتكون أخبار من بلغ قاصرة عن شمول ما كان من النقيضين أو الضدّين اللذين ليس لهما ثالث فلا يحكم باستحبابه.
نعم ، لو كان أحد من الضدّين عباديّا خرج عن الفرض وصار ممّا لهما ثالث ، وكذا لو كان كلا الضدّين عباديّا ، ومن هنا حكم الشيخ الأنصاري باستحباب صوم
__________________
(١) الوسائل ١ : ٦١ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث ٨.