[تنبيهات التجرّي]
بقي هنا امور ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : ذكر الميرزا النائيني قدسسره بعد أن حكم بقبح الفعل المتجرّى به عقلا أنّه ليس محكوما شرعا بالحرمة ، لأنّ مقطوع الخمريّة بالنسبة إلى الخمر الواقعي وإن كان بينهما بحسب الأمر والواقع عموما من وجه ، إذ يجوز أن يؤخذ مقطوع الخمريّة موضوعا لحكم آخر فيجوز أن يكون حكم الخمريّة الحرمة وحكم مقطوع الخمريّة الحرمة أيضا ، نظير الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالموضوعات الّتي بينها عموما من وجه ، مثل ما لو ورد : أكرم هاشميّا وأكرم عالما ، فكذلك مقامنا يحكم الشارع بحرمة الخمر الواقعي وبحرمة مقطوع الخمريّة ثانيا ، فهو ممكن في نفسه إذ يعقل أن يكون خمر ليس بمقطوع الخمريّة ، وأن يكون مقطوع الخمريّة وليس خمرا واقعا ، وأن يجتمعا ، فجعل الحكمين وإن كان في نفس الأمر والواقع ممكنا إلّا أنّه بالنسبة إلى المكلّف غير ممكن بخصوص المقام ، إذ أنّ القاطع لا يرى أنّ قطعه مخالف للواقع فهو يرى الخمر الواقعي ويرى أنّه محكوم بحكمين أحدهما حكم الخمر الواقعي والثاني حكم مقطوع الخمريّة ، وهذا يؤدّي إلى أن يكون جعل الحكم بحرمة التجرّي مؤدّيا إلى اجتماع المثلين فأحال حكم الشارع بالحرمة في مقام التجرّي بأدائه إلى اجتماع المثلين (١).
ولا يخفى عليك ما فيه :
أمّا أوّلا : فلأنّه مختصّ بالقطع بالحكم ، وأمّا القطع بالموضوع فلا يؤدّي إلى اجتماع المثلين ، لأنّه قد يقطع بالخمر وحكم مقطوع الخمريّة ولا يعلم بحكم الخمر أصلا وقد يعلم حكم الخمر ويقطع بالخمر ولكنّه لا يعلم حكم مقطوع الخمريّة ، وحينئذ فلا يكون الجعل مؤدّيا إلى اجتماع المثلين بنظر المكلّف أصلا لعدم علمه بالحكم الثاني حتّى يتنجّز.
__________________
(١) انظر فوائد الاصول ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.