ومنه يظهر الجواب عن الثالثة فإنّ المتجرّي والعاصي سواء في كونهما في مقام الظلم والهتك للمولى والخروج عن حدوده ، فاستحقاقهما للعقاب سواء. وأمّا مقدار العقاب فأمره بيد المولى (مع أنّ في صورة مصادفة قطعه للواقع لا تجرّي وإنّما هو عصيان ، وعلى تقدير تحقّق التجرّي لا مقتضي للتداخل) (١).
في القطع الطريقي والموضوعي بأقسامه
وفيه مباحث : الأوّل في الطريقي ، والكلام في أنّه يمكن أن يؤخذ القطع الطريقي في موضوع حكم نفسه أو مثله أو ضدّه ، والمهمّ في هذا المبحث هو إبطال شبهة الأخباريّين حيث زعموا أنّه لا يجوز التعويل على القطع الغير الحاصل من الكتاب والسنّة ، فإنّهم زعموا أنّ الشارع منع عن اتّباع القطع الّذي لا يحصل من الكتاب والسنّة.
وقد دفعوا شبهتهم بأنّ القطع لا يمكن أن ينهى عنه الشارع بعد أن بيّنّا أنّ طريقيّته ذاتيّة له وأنّ حجيّته من اللوازم الذاتيّة الّتي لا ينفكّ عنه ، واستدلّوا على عدم إمكان أن ينهى عنه الشارع بأنّ القاطع إن نهاه الشارع عن العمل بقطعه فنهيه يؤدّي إلى اجتماع الضدّين في الواقع إن كان القطع مصيبا ، وفي نظر القاطع إن كان مخطئا وكلاهما محال ، (لأنّ الحكم الّذي ليس قابلا للبعث والزجر فجعله لغو) (٢). كما أنّه لا يمكن أن يؤخذ في موضوع حكم نفسه فيقال : أيّها القاطع بالوجوب يجب عليك الواجب الّذي قطعت بوجوبه لأدائه إلى الدور ، وحينئذ فلا يمكن للشارع أن ينهى عن كلّ قطع من أيّ طريق كان لاستحالة ذلك كما بيّناه ، ولا يمكنه أن يجعل الوجوب على القاطع بالوجوب. هذا كلّه بالنسبة إلى عمل القاطع نفسه ، وأمّا بالنسبة إلى عمل غيره كالمقلّد فيمكن أن يدّعى ذلك.
__________________
(١ و ٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(١ و ٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.