لأنّ التيمّم إنّما شرّعه الشارع المقدّس حيث يفقد الماء حقيقة أو يفقده شرعا ، كما إذا كان الماء موجودا وكان مانع من استعماله كخوف عطش أو سبع يفترسه إن ذهب ليأتي به أو يحكم العقل بقبح الوضوء كما قيل فيما إذا علم بغصبيّة أحد الإناءين ، فهنا العقل يحكم بأنّه فاقد ، لقبح الوضوء بماء يحتمل بغض الشارع له (*) أو يبيح الشارع التيمّم له كما في الإناءين المشتبهين بالنجس حيث حكم بأنّه يهريقهما ويتيمّم ، وليس المقام أحد هذه الامور إذ لا فقد حقيقة ولا شرعا ولا عقلا ، إذ إنّ الوضوء بالماء النجس ليس حراما ذاتيّا ، بل لا يكون متطهّرا لو توضّأ به ، وليس كالغصب الّذي يبغضه الشارع ، ولا ممّا رخّص في التيمّم مع وجوده كالمشتبهين بالنجس ، وحينئذ فلا بدّ من ضمّ التيمّم إلى الوضوء والإتيان بهما رجاء ، وخصوصا إذا قدّم التيمّم ثمّ توضّأ لئلّا يبتلّ بنجاسة أعضاء التيمّم بناء على اعتبار الطهارة فيها ، وحينئذ فيكون بدنه ملاقيا لأحد أطراف الشبهة المحصورة وسيأتي أنّه لا يحكم بنجاسته.
فتلخّص أنّ الأقوال أربعة :
أحدها : أنّه فاقد الطهورين ، وهذا باطل بالوجدان ؛ لأنّه واجد قطعا.
الثاني : لزوم الوضوء ، وهو باطل ؛ لأنّ العلم الإجمالي بوجوب الوضوء والتيمّم منجّز.
الثالث : لزوم التيمّم وحده ، وهو باطل ؛ لأنّه ليس فاقدا للماء بما قرّبناه.
الرابع : الاحتياط والإتيان بهما معا ، وهذا هو الأقوى ، فتأمّل فإنّه دقيق.
__________________
(*) كما ذهب إليه بعضهم. ولكن يمكن أن يقال : إنّه ليس بفاقد للطهورين ؛ لأنّه كما يعلم غصبيّة أحدهما يعلم إباحة الثاني فهو واجد الطهور قطعا ، فالظاهر أنّه من قبيل دوران الأمر بين المحذورين فيكتفي بالموافقة الاحتماليّة فيتوضّأ حينئذ بأحدهما. (من إضافات بعض الدورات اللاحقة).