وقبل الخوض في الأقسام ينبغي تقديم امور :
الأوّل : أنّ المراد بكون القطع مأخوذا بنحو الموضوعيّة هو الموضوعيّة الواقعيّة لا في لسان الدليل ، ومعنى الموضوعيّة الواقعيّة أنّ الموضوع لحكم التصدّق بدرهم واقعا هو القطع بوجوب الصلاة وليس المراد الموضوعيّة بلسان الدليل الحاكي ، لأنّ أخذ القطع بلسان الدليل الحاكي لا يكون موضوعيّا دائما بل قد يكون طريقيّا مثل قولنا : إذا قطعت بأنّ هذا جلد ما لا يؤكل لحمه ليس لك أن تصلّي به ، ومعلوم أنّ القطع إنّما اعتبر هنا طريقا كاشفا وليس له دخل في النهي عن الصلاة به ، نظير قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١) بناء على إرادة الرؤية من الشهود لا على إرادة الحضور من الشهود ، فيكون مؤدّاه : صم للرؤية وأفطر لها.
الثاني : في معنى الطريقيّة والصفتيّة فنقول : إنّ من قطع بقيام زيد مثلا فيحصل له صفة القطع بها بمعنى عدم تردّده وشكّه بذلك ، فهذه الصفة من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة ، وليس من الصفات الّتي ليست إلّا صرف الإضافة نظير الفوقيّة والتحتيّة ، بل هي لها ما بإزاء في الخارج وهو ارتفاع التردّد. كما أنّ هذا القاطع أيضا ينكشف له أنّ هذا القيام حاصل لزيد مثلا. وحينئذ فقد يكون القطع مأخوذا في الموضوع من الجهة الاولى فيسمّى قطع موضوعي بنحو الصفتيّة ، نظير الوسواسي الّذي لا يحصل له صفة القطع بطلوع الفجر فينذر إن قطعت بطلوع الفجر أتصدّق بدرهم شكرا لله تعالى ، فإنّ قصد هذا الناذر من نذره تحصيل هذه الصفة له ورفع التردّد الناشئ من وسوسته. وقد يؤخذ القطع لكاشفيّته عن الواقع وليس لرفعه التردّد أصلا ، نظير من نذر إن قطعت بطلوع الفجر أتصدّق
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.