الأوامر التعبّديّة إنّما شرّعت من ناحية التعبّد بها ، والعقل مستقلّ بأنّ الانبعاث من الأمر القطعي حيث يمكن هو الحسن ، والانبعاث من الأمر الاحتمالي حيث يمكن الانبعاث من الأمر القطعي ليس بحسن ، ومع الشكّ فالمرجع قاعدة الشغل.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ اعتبار الانبعاث عن الأمر القطعي لا دليل على اعتبارها لو لم نقل بقيام الدليل على عدم اعتبارها ، ومع الشكّ فالمقام من صغريات دوران الأمر بين اعتبار تعيين القطع بالأمر بخصوصه ـ بمعنى أنّه يعتبر الانبعاث عن الأمر القطعي بخصوصه ـ أو يتخيّر بينه وبين الأمر الاحتمالي ، وقد تقدّم أنّه إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير فأصالة البراءة من التكليف بالخصوصيّة ترفع التكليف بالخصوصيّة ، فيكون العبد مخيّرا بين الامتثال والانبعاث عن الأمر القطعي وبين الانبعاث عن الأمر الاحتمالي ، فالمقام من مقامات البراءة لا من مقامات قاعدة الشغل.
وأمّا الكلام في المورد الثاني وهو ما كان الاحتياط فيه غير مستلزم للتكرار أيضا لكن كان مع العلم الإجمالي بالتكليف ، مثل أن يعلم إجمالا إمّا بوجوب قراءة الدعاء عند رؤية الهلال أو بوجوب الصلاة ركعتين مثلا ، ولا فرق بين هذا وبين سابقه فيما ذكر فيه إلّا إمكان أن يقال : حيث كان المقام مقرونا بالعلم الإجمالي بالتكليف فلو التزمنا فيما لا علم بالتكليف باغتفار قصد الوجه لا نلتزم هنا لوجود الأمر ، وليس بمتين ؛ لأنّ قصد الوجه إن كان معتبرا في الامتثال وحقيقته فهو معتبر حتّى في صورة عدم العلم بالتكليف مع إمكان تحصيل العلم بالتكليف ، وإن لم يكن معتبرا في حقيقة الامتثال فليس بمعتبر حتّى في صورة العلم بالتكليف وقد ذكرنا الأدلّة على عدم اعتباره في الأوّل فراجع.
كما أنّه يمكن أن يقال : إنّ الانبعاث عن احتمال الأمر مع إمكان الانبعاث عن نفس الأمر القطعي جائز حيث لا يعلم المكلّف بالتكليف ، أمّا حيث يعلم فليس بجائز كما اختاره الميرزا النائيني قدسسره في الدورة الاولى وفي مباحث القطع من الثانية.