وحينئذ فتكون أخبار التوقّف والاحتياط بيانا لو كانت مولويّة.
أمّا لو قلنا بكونها إرشاديّة فالظاهر أنّ العقاب إنّما هو على التجرّي في المقام لا على ترك الواقع ؛ لأنّ الواقع قد فرضنا أنّه لو تفحّص لما وجده فلا بيان بالنسبة إليه ؛ لأنّ المراد من البيان جعله في مظانّ الحصول عند الفحص بحيث لو فحص لوجده ، فعدم كونه في مظانّ الحصول معناه عدم البيان ، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان موجودة غير أنّ المكلّف حيث لم يفحص لم يكن عالما بها ؛ لأنّها إنّما تحرز بعد الفحص فإذا لم يفحص لم يحرز عدم البيان لا أنّ القاعدة لا تجري إلّا بعد الفحص ، بل لا يحرز جريانها إلّا بعد الفحص. فهذا المكلّف التارك للفحص قاعدة قبح العقاب بلا بيان جارية في حقّه ، غير أنّه لم يكن عالما بها لعدم فحصه فحيث لا مؤمّن له يكون متجرّيا فيبنى عقابه على قاعدة التجرّي.
الثاني : في حكم عمل تارك الفحص
والظاهر أنّ المكلّف إذا ترك الفحص وعمل بلا فحص عمله باطل ، بمعنى أنّه لا يجوز له الاقتصار عليه ، فمن لم يعلم أنّ مقلّده يرى وجوب السورة في الصلاة أو لا إذا صلّى بلا سورة من دون أن يفحص عن رأي مقلّده فمقتضى القاعدة بطلان عمله ، بمعنى أنّه ليس له الاقتصار عليه ، بل لا بدّ من الفحص والعمل على ما يقتضيه فحصه.
وهذا هو المراد من البطلان في عبارة العروة وغيرها (١) لا أنّ المراد بالبطلان البطلان الشرعي بحيث لا تجزئ وإن ظهر مصادفتها للواقع ، بل المراد البطلان الظاهري فيجب عليه ترك الاقتصار عليها ، وحينئذ فهل المناط في صحّتها مطابقتها للواقع أو مطابقتها لفتوى من كان يجب عليه تقليده في ذلك الوقت؟
__________________
(١) انظر العروة الوثقى ١ : ٧ ، المسألة ١٦ (الاجتهاد والتقليد) ، والفرائد ٢ : ٤٠٦.