فإنّه يقضي بوجوب تدارك كلّ ضرر ، ولا يلتزم به أحد إلّا أن ينطبق عليه عنوان الإتلاف لا مطلق الضرر ، فإنّ من جلب تمرا فأوجب جلبه أن يتضرّر الّذي عنده تمر قبل ذلك هل يلتزم أحد بوجوب تدارك ضرر هذا المضرور على هذا الضارّ؟
وبالجملة ، فالعمدة هي الوجوه الثلاثة الباقية ، فيقع الكلام في ترجيح أيّها فنقول :
إنّ الأقوى من هذه الوجوه هو ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره من أنّ المراد منه هو نفي الحكم ونفي التشريع ، والدليل على ذلك موقوف على ذكر شيء هو : أنّ مثل هذا التركيب الواقع في لغة العرب يستعمل تارة في نفي ذلك الشيء تكوينا لمبغوضيّة وجوده في الخارج فكأنّه لبغضه غير موجود نظير ما ورد من قوله عليهالسلام : «يعيد ويتوضّأ ويغتسل» (١) إيذانا بأنّ المولى لا يرضى إلّا بوجوده ، فهنا كذلك فيكون نفيا له عن صفحة الوجود الخارجي ، إيذانا بأنّه لا يرضى إلّا بانعدامه عن صفحة الوجود الخارجي وذلك مثل الآية المباركة من قوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٢) وكقوله : «لا يزني المؤمن وهو مؤمن» (٣) و «لا يكذب وهو مؤمن» (٤) وغير ذلك من الأمثلة. فهو ينفيه ادّعاء بدعوى عدم وجوده في الخارج ، لوجود المقتضي لعدمه وهو إرادة المولى ، ولعدم المانع لظاهر حال المسلم وأنّه بصدد الطاعة وبصدد تطبيق قانون العبوديّة.
ويستعمل تارة اخرى في نفي حكم تكوينا أيضا عن طبيعة متخصّصة بخصوصيّة
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٤ ، الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٩ ، والباب ٣ ، الحديث ٥.
(٢) البقرة : ١٩٧.
(٣) الوسائل ١١ : ٢٥٧ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١٨ و ١٩.
(٤) لم نعثر عليه بعينه ولكن ورد مضمونه في كنز العمّال ، الرقم ٨٩٩٣ ـ ٨٩٩٥.