الرابع : ما ذكره الآخوند قدسسره من كون لا ضرر مبيّنة للحكم الفعلي في مورد الضرر وكون أدلّة الأحكام مثبتة للحكم الاقتضائي في مورد الضرر ، مدّعيا أنّ الفهم العرفي يوفق بما ذكره بين هذين المتعارضين (١).
ولا يخفى أنّ هذه الوجوه كلّها مبنيّة على التعارض بين أدلّة الأحكام وحديث نفي الضرر ، والتعارض غير صحيح لما سنبيّنه إن شاء الله. فهذه الوجوه تكون باطلة لبطلان أساسها ، مضافا إلى أنّا لو قلنا بالتعارض لا يتمّ الوجه الأوّل ؛ لأنّ الشهرة في الفتوى لا تصلح مرجّحا وإنّما المرجّح الشهرة في الرواية ولا معنى لادّعائها في العامّين من وجه. والرجوع إلى البراءة للتساقط لا ينفي وجوب الوضوء فبأيّ دليل يجب التيمّم؟ لأنّ نفي وجوب الوضوء الضرري بأصل البراءة لا يثبت وجوب التيمّم إلّا بالأصل المثبت بخلاف ما إذا نفي بحديث «لا ضرر» فإنّه ناظر إلى الحكم الواقعي فيثبت لازمه وهو وجوب التيمّم حينئذ.
كما لا يتمّ الوجه الثاني أيضا ؛ لأنّ قاعدة «لا ضرر» من قبيل العامّ الاستغراقي ففي كلّ مورد من موارد الأحكام تنحلّ إلى حكم إذا كان ذلك المورد ضرريّا ، وحينئذ فالتعارض من وجه لا مطلق ، ولا مجال لملاحظة مجموع أدلّة الأحكام دليلا واحدا.
كما لا يتمّ الوجه الثالث أيضا بأنّ مقتضى ما اخترناه في باب التعارض من تقدّم العموم الوضعي على الإطلاقي تقدّم ما كان عمومه وضعيّا من أدلّة الأحكام ، ومع كون عمومه إطلاقيّا يتساقطان إلى عموم أعلى إن كان أو أصل ، وعلى المشهور من تقديم الأرجح سندا مطلقا لا يكون تقديم قاعدة «نفي الضرر» على بعض أدلّة الأحكام الأوّليّة لرجحان سند القاعدة على تلك الأدلّة ، وتقديم بعض أدلّة الأحكام الأوليّة على القاعدة لرجحان سند أدلّة الأحكام على سند القاعدة ترجيحا من غير مرجّح.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٣٣.