كما لا مجال لما ذهب إليه الشيخ الأنصاري من اعتبار تقدّم دليل المحكوم على دليل الحاكم زمانا (١) لأنّه لا بدّ أن يكون ناظرا إليه ، وذلك لأنّ المعتبر إنّما هو التقدّم الرتبي بينهما لا الزماني ، وذلك لإمكان أن ينفي الحكم أو الموضوع أوّلا ثمّ يأتي بالمحكوم بعده مثلا يقول : لا شكّ لكثير الشكّ ، ثمّ يبيّن حكم الشكّ.
وقد اتّضح ممّا ذكرنا معنى الحكومة الواقعيّة وانطباق «لا ضرر» عليها ، وبقي أنّ الحكم بتقديم دليل الحاكم على دليل المحكوم مع كون النسبة بينهما هو العموم من وجه ما وجهه ودليله؟
فنقول : أمّا في الحكومة الّتي يكون دليل الحاكم متصرّفا في عقد الوضع من دليل المحكوم فواضح ، إذ لا تعارض بينهما أصلا ؛ وذلك لأنّ أدلّة الأحكام الثابتة للأشياء مثل الدليل الدالّ على حكم الشكّ وأنّه البناء على الأكثر لا يتعرّض لموضوعه وتحقّقه في الخارج وعدم تحقّقه ، وإنّما يثبت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، وأدلّة الحاكم مثل «لا شكّ لكثير الشكّ» تقول بأنّ كثير الشكّ ليس داخلا في موضوع الحكم السابق فهي تنفي كون هذا الفرد من موضوعه ، والدليل المحكوم لم يتعرّض لهذا وأنّه من أفراده حتّى تقع المعارضة بينهما ، وهذا بخلاف العامّ والخاصّ فإنّهما يتعارضان في مثل «أكرم العلماء» و «لا تكرم فسّاقهم» في زيد الفاسق فدليل «أكرم العلماء» يقتضي إكرامه ودليل «لا تكرم فسّاقهم» يقتضي العدم فتقع المعارضة.
وأمّا أنواع الحكومة الواقعيّة الباقية ـ سواء كانت ب «عنيت وقصدت» أو كانت بالتصرّف في عقد الحمل من دليل المحكوم أو كانت نفيا للحكم مثل لا ضرر ـ فوجه تقدّمه على دليل المحكوم هو الوجه في تقدّم الأدلّة الاجتهاديّة على الاصول ، فكما أنّ الأدلّة الاجتهاديّة تنفي موضوع الأصل كذلك مثل «لا ضرر» تكون نافية
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ١٣ ـ ١٤.