للحكم الضرري ؛ لأنّها ناظرة إلى الأحكام المجعولة للأشياء بعناوينها الأوليّة ومبيّنة للمراد منها وأنّ المراد منها الأحكام الغير الضرريّة أمّا الأحكام الضرريّة فلا ، وبهذا المناط يتقدّم حديث لا ضرر على أدلّة الأحكام ، بل وبه أيضا يتقدّم ظهور اللفظ بالمعنى المجازي على ظهوره في معناه الحقيقي بسبب القرينة المكتنفة له ؛ لأنّ ظهوره في المعنى الحقيقي إنّما هو بأصالة الظهور المنتفية مع وجود القرينة ، فافهم.
التنبيه الرابع : في أنّ المراد من «لا ضرر» هو الضرر الواقعي أم الضرر العلمي ، وقد ذكر المشهور أنّ من توضّأ لاعتقاده عدم كون الوضوء ضرريّا ثمّ ظهر أنّه ضرري وقد أضرّ به صحّت صلاته (١) كما ذكروا في خيار الغبن أن لا يكون المغبون عالما من حين شرائه بأنّه مغبون وإلّا فلا خيار له (٢).
أمّا مسألة خيار الغبن فقد أشرنا أنّ مدرك الخيار فيها ليس قاعدة «نفي الضرر» وإلّا فقد يكون الفسخ ضرريّا لو نقصت قيمته السوقيّة إلى حدّ أزيد من المقدار الّذي باعه به ، وإنّما مدرك الخيار فيه هو الشرط الضمني ؛ لأنّ بناء العقلاء على حفظ الماليّة وتبديل الأعيان ، فهو إنّما يسلّطه على الثمن على تقدير كون المثمن تساوي قيمته واقعا ثمنه ولا يسلّطه على تقدير العدم ، وحينئذ فحيث يعلم أنّ قيمته أقلّ من ثمنه الّذي يدفعه لا يشترط عليه شرطا ضمنيّا أصلا.
وأمّا مسألة الوضوء والغسل وغيرهما فقد صارا محطّا للبحث من جهة أنّ «لا ضرر» بمقتضى ظاهرها نافية للضرر الواقعي من دون تقييد بالعلم ، وحينئذ فهذا الوضوء غير مأمور به فكيف يحكم فيه بالصحّة؟
وقد اجيب عنه بجوابين ، أحدهما وهو المشهور : أنّ «لا ضرر» حكم امتناني فلا يجري حيث لا يكون فيه امتنان ، ونفي الضرر بخصوص المقام ليس فيه امتنان ؛
__________________
(١) انظر العروة الوثقى في أحكام التيمّم ، مسألة ١٩.
(٢) انظر المكاسب للشيخ الأنصاري ٥ : ١٥٨ و ١٦٦.