مع قولهم بتقديم أقلّ الضررين يمثّلون بالمثال فيقولون : إنّ ضرر صاحب القدر أقلّ ؛ لأنّ قيمة القدر أقلّ من قيمة الدابّة فيكسر القدر ويغرم صاحب الدابّة قيمة القدر لصاحبها.
وهذا الكلام معناه أنّه لم يتضرّر صاحب القدر بشيء من الماليّة ؛ لأنّ ماليّة قدره متداركة ، فهذا معناه أنّه لا يتضرّر بشيء أصلا ؛ لأنّه ليس العبرة بأعيان الأموال وإنّما العبرة بماليّاتها.
وبالجملة ، ففتوى المشهور لا نعرف لها وجها بعد أن كان حديث «لا ضرر» أجنبيّا عن مثل هذا ؛ لأنّ «لا ضرر» إنّما ينفي جعل الشارع للضرر وهذا الضرر لا ربط للشارع به أصلا فهو لا يشمله أصلا ، وحينئذ فلا وجه لاختيار أقلّ الضررين والحكم به أصلا ، مثلا إذا كانت قيمة الدابّة عشرين وقيمة القدر خمسة فلا وجه للحكم بكسر القدر لئلّا تذبح الدابّة فيغرم صاحب القدر عشرين.
وبالجملة ، أيّ مرجّح للضرر الناشئ من خمسة على الضرر الناشئ من عشرين ، مع أنّ حديث «لا ضرر» أجنبيّ عن مثل هذا؟ فافهم ؛ لأنّ معناه عدم جعل الضرر لا وجوب تدارك الضرر الواقع في الخارج ، فافهم وتأمّل.
ويمكن أن يقال : إنّ القاعدة ـ يعني قاعدة العدل والإنصاف ـ تقتضي تقسيم الضرر عليهما في المقام ، وحينئذ فيتخيّر ما يكون الضرر فيه أقلّ فيكسر القدر وتقسم قيمته عليهما معا ، لا أنّه يغرم صاحب الدابّة تمام القيمة لصاحب القدر فإنّه لم نطّلع على وجهه.
ومع قطع النظر عن قاعدة العدل والإنصاف الّتي تقتضيها رواية الودعي (١) وتقسيم درهم ونصف لصاحب الدرهمين ونصف درهم لصاحب الدرهم ، ربما يقال بأنّ الحاكم أو عدول المؤمنين يتخيّرون ما هو أقلّ ضررا فيفعلونه ؛
__________________
(١) الوسائل ١٣ : ١٦٩ ، الباب ٩ من كتاب الصلح ، الحديث الأوّل.