وجوب الجمعة عند المجتهد فيفتي به. وحينئذ فالعبرة في جريان مثل هذا الاستصحاب هو يقين المجتهد وشكّه وإن كان المقلّد غافلا عن أصل الحكم ، فأثر هذا الاستصحاب هو جواز إفتاء المجتهد بوجوب الجمعة ، والمقلّد إنّما يجب عليه العمل بأدلّة التقليد لا بالاستصحاب.
فقد ظهر أنّ الاستصحاب يترتّب عليه وحده استنباط حكم كلّي وهو وجوب الجمعة مثلا ، فهو مسألة اصوليّة لوجدان المناط فيها ، هذا في الشبهة الحكميّة.
وأمّا في الشبهة الموضوعيّة فالاستصحاب مسألة فقهيّة ؛ لأنّه يستنبط منه حكم جزئي ، فالعاميّ إذا كان متيقّنا بطهارة شيء ثمّ شكّ في عروض النجاسة عليه وعدمه فله أن يبني على الطهارة السابقة إذا كان مقلّدا لمن يقول بحجّية الاستصحاب ، وهنا يكون مسألة فقهيّة ، لأنّه لا يترتّب عليه استنباط حكم كلّي وإنّما يترتّب عليه معرفة حكم جزئي.
ولا غرابة في كون خبر واحد وهو «لا تنقض اليقين بالشكّ» متكفّلا لمسألة اصوليّة وفقهيّة باعتبار مواردها ، فإنّ عدم نقض اليقين بالشكّ بالنسبة إلى المجتهد إنّما هو بإفتائه بمقتضى الاستصحاب ، وبالنسبة إلى المقلّد إنّما هو بترتيب آثار الطهارة في متيقّن الطهارة عنده مثلا ، فالمقام نظير خبر الواحد بناء على حجّيته في الموضوعات كما هو الحقّ فيكون متكفّلا للزوم ترتيب آثار الخبر الواحد مطلقا ، وإن كان أثره بالنسبة إلى المجتهد الحكم بمؤدّاه وبالنسبة إلى المقلّد في الموضوعات الخارجيّة العمل بمقتضاه ، فهما سيّان إلّا أنّ أحدهما لبيان الحكم الواقعي والآخر للظاهري.
الجهة الثالثة : في الفرق بين قاعدة المقتضي والمانع ، وبين قاعدة اليقين وبين الاستصحاب.
فنقول : إنّ اليقين والشكّ لا يمكن أن يكونا بالنسبة إلى شيء واحد في زمان واحد ، لأنّ معنى اليقين عدم الشكّ ومعنى الشكّ عدم اليقين ، وحينئذ فلا بدّ من أن يكون ما يتعلّق به اليقين غير ما يتعلّق به الشكّ من جهة من الجهات.