وإن كان زمان الشكّ أسبق فهو الاستصحاب القهقري مثل أن يتيقّن الآن عدالة زيد ثمّ يشكّ فيها قبل عشر سنين فبناء على حجيّته يستصحب ويثبت عدالته بالنسبة إلى الزمن المشكوك ، وهذا الاستصحاب لا مستند له من الأخبار والإجماع وبناء العقلاء ، أمّا الأخبار فلا ينكر ظهورها في تقدّم اليقين وتأخّر الشكّ ، وكذا لا إجماع إلّا عليه.
وأمّا بناء العقلاء فلم يستقرّ عليه في شيء إلّا في احتمال النقل ، مثلا إذا كان الكرفس مثلا مستحبّ الأكل والكرفس الآن عندنا معلوم ولكنّا نشكّ عند صدور هذا الخبر كان الكرفس عندهم بمعنى الكرفس عندنا أو أنّه نقل من معناه عندهم إلى هذا المعنى المتعارف عندنا؟ فبأصالة عدم النقل يثبت بأنّه هو الكرفس الّذي كان عند صدور الخبر. فهذا الاستصحاب القهقرى ليس بحجّة إلّا في هذا المورد لبناء العقلاء عليه.
فبقي الكلام في الامور الثلاثة الأخر.
ولا يخفى أنّ «المقتضى» في قاعدة المقتضي والمانع إمّا أن يراد به المقتضي التكويني وبالمانع أيضا التكويني كما يقال : النار مقتض للإحراق والرطوبة مانع ، ونظيره في الفقه ما إذا شكّ في وجود المانع لوصول الماء للبشرة في الغسل ، فإنّ إجراء الماء على البدن مقتض للوصول إلى البشرة فإذا شكّ في وجود المانع وتمّت قاعدة المقتضي والمانع من حيث الحجّية له أن يبني على عدم المانع.
وإمّا أن يراد بالمقتضي الموضوع الشرعي وبالمانع ما اعتبر عدمه فيه ، فيراد بالمقتضي الصلاة مثلا وبالمانع الضحك مثلا ، أو يراد بالمقتضي ملاك الحكم ومصلحته وبالمانع ما يرفع هذا الملاك. ولا ندري ان القائل بقاعدة المقتضي أراد أيّها أو أنّه أرادها كلّها ، وسيأتي الكلام فيها.
الجهة الرابعة في تقسيمات الاستصحاب : المستصحب قد يكون أمرا وجوديّا ، وقد يكون أمرا عدميّا ، وقد يكون حكما شرعيّا ، وقد يكون موضوعا خارجيّا ،