وقد يكون حكما تكليفيّا ، وقد يكون حكما وضعيّا. والدليل الدالّ عليه إمّا شرعي أو عقلي ، والشرعي إمّا الإجماع أو غيره. وأيضا قد يدلّ دليله على استمراره لغاية وقد لا يدلّ. ومنشأ الشكّ قد يكون اشتباه الأمر الخارجي ، وقد يكون اشتباه الحكم الشرعي. والشكّ قد يكون مع تساوي الطرفين و [قد يكون] مع الظنّ بأحدهما ، وأيضا الشكّ قد يكون من جهة الشكّ في المقتضي ، وقد يكون من جهة الشكّ في حدوث المانع ... إلى غير ذلك.
قال الاستاذ الخوئي : والأقوى عندي أنّ الاستصحاب حجّة في الموضوعات الخارجيّة وفي الأحكام الشرعيّة الجزئيّة دون الكلّية فليس بحجّة فيها ، ولا بدّ من ذكر الأدلّة ثمّ النظر في مفادها ومقدار إفادتها فنقول :
[أدلّة حجّية الاستصحاب]
الدليل الأوّل لحجّية الاستصحاب : السيرة العقلائيّة الثابتة على العمل على طبق الحالة السابقة ، ومعلوم أنّها كانت زمن الأئمّة عليهمالسلام ولم يردعوا عنها فتكون ممضاة من قبلهم عليهمالسلام بل زعم الميرزا النائيني قدسسره أنّه لو لا العمل على طبق الحالة السابقة لاختلّ نظام العالم بأسره (١).
ولا يخفى عليك أنّ دعوى السيرة دعوى غير تامّة ، فإنّ سيرة العقلاء لم تقم على الحالة السابقة من ناحية الاستصحاب ، بل إنّ جملة من العقلاء إنّما يعملون على طبق الحالة السابقة رجاء ، وبعضهم من باب حصول الاطمئنان له ببقاء الحالة السابقة فلا شكّ له ، وبعضهم غافل عن شكّه بالبقاء أصلا. فلا تصلح السيرة حينئذ دليلا ، نعم لو أحرزنا أنّهم كانوا متيقّنين ثمّ شكّوا وعملوا مع التفاتهم إلى شكّهم على طبق الحالة السابقة لا رجاء لبقائها ثبت مطلوبهم عندنا ، ومن أين تحرز هذه المقدّمات؟ بل لا يمكن قيام السيرة ، لأنّ بناء العقلاء تعبّدا بلا وجه مقطوع العدم.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٤ : ٣٠.