لا يقال : إنّكم أنفسكم نفيتم البناء من العقلاء ، فما هذا الارتكاز المدّعى؟
لأنّا نقول : إنّ عدم نقض الأمر المستحكم بالأمر الظنّي أمر عقلائي استقرّت عليه سيرة العقلاء ، فالإمام طبّق هذا الحكم الكلّي على المورد تعبّدا ، والّذي قد نفيناه هو استقرار سيرتهم على العمل بالاستصحاب باعتبار إنكار كونه صغرى لتلك الكلّية من حيث إنّ متعلّق اليقين هو الحدوث ومتعلّق الشكّ هو البقاء وأحدهما غير الآخر إلّا أنّ الإمام طبّقها تعبّدا فافهم.
وبالجملة فالرواية ظاهرة في كون حكمها كلّيا لا يختصّ بباب الوضوء ، خصوصا مع ذكر هذا اللفظ بعينه في غير الوضوء أيضا في بقيّة الروايات.
ثمّ إنّ هنا جهات ثلاثة ينبغي التعرّض لها :
الاولى : في تفصيل الشيخ الأنصاري بين الشكّ في المقتضي فلا يجري الاستصحاب ، والشكّ في الرافع فيجري (١).
الثانية : تفصيلنا بين الشبهة الحكميّة فلا يجري ، والموضوعيّة فيجري مع إطلاق الرواية.
الثالثة : تفصيل الشيخ الأنصاري أيضا بين كون مدركه حكم العقل أو الشرع (٢).
[تفصيل الشيخ بين الشك في المقتضى والشك في الرافع]
أمّا الكلام في الأوّل :
فنقول : إنّ المقتضي إمّا أن يراد به المقتضي التكويني ، وهو الّذي ينشأ منه الأثر كالنار للإحراق ، وحينئذ فيكون المانع ما يكون رافعا لذلك الأثر كالرطوبة مثلا ، أو موضوع الحكم ، وبالمانع ما يعتبر عدمه في الحكم ، أو مصلحته وملاكه ، وبالمانع
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٥١.
(٢) انظر المصدر المتقدّم : ١٣.