والظاهر التفصيل فإنّ قيام الأمارة إن كان موجبا ومحقّقا لملاك في ذات الفعل الّتي قامت الأمارة على وجوبه مثلا صحّ حينئذ ما ذكره ، أمّا إذا كانت المصلحة في الجري العملي على طبق الأمارة من غير أن يحدث مصلحة في الفعل بل هو على ما هو عليه فلا ريب في أنّ حيثيّة قيام الأمارة حيثيّة تقيديّة ولا أمارة على غير الحدوث فلا مصلحة في الجري على غير الحدوث ، فلا يجري حينئذ الاستصحاب ، فافهم) (١).
التنبيه الرابع : [في استصحاب الكلّي]
الاستصحاب قد يكون استصحابا شخصيّا ، كما إذا كان زيد قائما فشككنا في استمراره قائما وفي قعوده فيستصحب قيامه ، وقد يكون الاستصحاب استصحابا لأمر كلّي كما إذا لم يكن الأثر أثرا للخصوصيّة الفرديّة بل يكون الأثر أثرا للجامع بين الفردين بل الأفراد. ومن هنا يتّضح أنّه لا يتفاوت الاستصحاب الكلّي وجريانه بين القول بوجود الكلّي الطبيعي والقول بعدم وجوده وإنّما الموجود أفراده ، لأنّا وإن قلنا بعدم وجوده إلّا أنّ الأفراد موجودة قطعا ، والمفروض أنّ استصحاب الكلّي هو عبارة عن عدم لحاظ الخصوصيّة الفرديّة وإن وجدت خارجا.
وبعبارة اخرى أنّ المطلوب في باب الاستصحاب صدق النقض عرفا وهو متحقّق ، قلنا بوجود الكلّي الطبيعي أو لم نقل به ، لأنّ الاستصحاب ليس مبنيّا على الدقّة والفلسفة الحكميّة ، بل مبنيّ على وجود الكلّي الطبيعي عند أهل العرف ، ولا ريب أنّ أهل العرف يرون أنّ الإنسان موجود في الخارج وكذلك الحيوان وبقيّة الكلّيات الطبيعيّة ، وحينئذ فيتحقّق عند العرف مصداق : «لا تنقض اليقين بالشكّ».
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.