ومن هذا الكلام يظهر أنّ ما ذكرناه سابقا من القول بجريان استصحاب عدم النسخ غير تامّ (حتّى لو قلنا بجريان الاستصحاب في الحكم الكلّي ، لعدم يقين المكلّف بحكم فعلي في حقّه ، فاستصحاب عدم جعل الحكم بالإضافة إلى غير المتيقّن من الزمان لا معارض له) (١).
التنبيه الثامن : في الأصل المثبت
والكلام في أنّ الجعل الشرعي تعلّق بالمتيقّن أو تعلّق بالمتيقّن بجميع لوازمه؟ وينبغي أن يعلم أنّ الكلام إنّما هو في لوازم البقاء العقليّة أو العاديّة ، أمّا لوازم الحدوث فهي يجري فيها الاستصحاب لتعلّق اليقين بها بتعلّقه بالمتيقّن سابقا. وإنّما يقع الكلام في الأصل المثبت بالنسبة إلى لوازم البقاء الّتي هي ليست من لوازم الحدوث كما في الأمثلة الّتي ذكرها الشيخ الأنصاري قدسسره (٢) ، مثل الرجل الملفوف باللحاف المريض فلو قطعه زيد نصفين بسيفه فهل يمكن باستصحاب حياته الحكم بأنّ زيدا هو القاتل له مع احتمال أنّه ميّت حتف أنفه وأنّ زيدا إنّما قطع ميّتا ، فإن قلنا بحجّية الأصل المثبت فيحكم على زيد بأنّه قاتل عمدي فيقتصّ منه ، وإن لم نقل بحجّية الأصل المثبت فلا يحكم بأنّه هو القاتل فلا يقتصّ منه.
وقبل الخوض في ذلك نبيّن ما يمتاز به الأصل من الأمارة بنحو الإجمال حتّى ننظر المجعول في دليل الاستصحاب ما هو؟ فنقول : المعروف كما هو مسطور في كلمات صاحب الكفاية (٣) وغيره وكلمات الميرزا النائيني (٤) أنّ الفرق بين الأمارة والأصل أنّ الأمارة ما يكون موردها الجهل وموضوعها مهمل من ناحية
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢٤٠.
(٣) انظر كفاية الاصول : ٤٩٧.
(٤) أجود التقريرات ٣ : ١٣٤ ـ ١٣٥.