الثاني من الأمرين هو أنّه ذكر الشيخ الأنصاري قدسسره (١) حجّية الأصل المثبت حيث تكون الواسطة الّتي يترتّب الحكم الشرعي عليها خفيّة لا يدركها العرف ، بحيث يعدّ العرف الحكم حكما لنفس المستصحب لا للواسطة لخفائها ، وإن كان دقيق النظر يراه حكما لنفس الواسطة إلّا أنّ العبرة بصدق النقض عرفا وهو متحقّق حسب الفرض.
وقد ألحق صاحب الكفاية قدسسره بما ذكره الشيخ قدسسره (٢) جلاء الواسطة فزعم أنّ ما كانت ملازمته واسطته جليّة كذلك ، وقد مثّل لذلك بالامور المتضايفة مثل الابوّة والبنوّة وغيرها ، كما أنّه قدسسره ألحق قسما آخر وهو اللازمان اللذان يرى العرف بينهما الملازمة الواقعيّة والظاهريّة بحيث يعدّ ترتيب الأثر على أحدهما دون الآخر نقضا له كما في العلّة والمعلول والمعلولين لعلّة ثالثة.
ولا يخفى أنّ ما ذكره الآخوند قدسسره : من الكبرى الكلّية وهي إلحاق هذين الأمرين ودعوى حجّية المثبت فيهما ؛ لأنّه لو لم نقل بحجّيتهما يصدق النقض عرفا ، متين جدّا ، إلّا أنّ الظاهر أنّه ليس لها مصداق في الخارج ؛ إذ إن أراد من الامور المتضايفة كالابوّة والبنوّة ذاتهما فليس بين ذات زيد وذات ولده ملازمة عرفيّة ، وإن اريد عنوانهما فهو مستحيل الانفكاك ، فكيف يعقل أن يكون أحدهما متيقّنا دون الآخر؟ ثمّ يشكّ فيه فيستصحب. ثمّ يقع الكلام في الآخر إذ الامور المتضايفة متلازمة في اليقين والشكّ ، فإذا تيقّن بأحدهما يتيقّن بالآخر وإذا شكّ شكّ.
ومن هذا ظهر الجواب عن الثاني وهي مسألة العلّية والمعلوليّة أو المعلولين لعلّة ثالثة ، فإنّ ذاتيهما ليس بينهما تلازم عرفي ، وعنوانيهما يستحيل الانفكاك بينهما بحسب العرف ، فلا يعقل أن يتيقّن أحدهما ثمّ يشكّ فيه ليقع الكلام في أنّ إثباته
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٤٤.
(٢) كفاية الاصول : ٤٧٣.