في خصوص ذلك المورد لئلّا يكون التعبّد به لغوا ، وقد ذكر في أمثلة الأصل المثبت مثالا زعمه بعضهم مثبتا (١) وبعضهم (٢) نفى إثباته وهو ما لو كان الجسم النجس أو الطاهر الملاقي له رطبا قبل ملاقاته له ثمّ لاقاه وشكّ في بقاء الرطوبة ليحكم بنجاسة الملاقي أو بعدم بقائها ليحكم بطهارته ، فإنّ استصحاب بقاء الرطوبة إذا جرى فإن قلنا بأنّ النجاسة منشأها الملاقاة ورطوبة النجس أو الطاهر ، فهنا يثبت باستصحاب الرطوبة النجاسة للملاقى ؛ لأنّ الملاقاة حاصلة بالوجدان والرطوبة حاصلة بمقتضى الأصل فيتحقّق الموضوع للنجاسة.
وأمّا إذا قلنا إنّ النجاسة من أحكام عنوان بسيط منتزع من هذين الأمرين وهو السراية فاستصحاب الرطوبة لا يثبت النجاسة إلّا بالأصل المثبت.
وقد ذكر بعضهم (٣) هذا المثال مثالا لخفاء الواسطة ، ولا يخفى ما فيه ، فإنّ العرف إذا زعم أنّ النجاسة من أحكام السراية ، فدعوى خفاء الواسطة وهي السراية لا يكوّن الموضوع للحكم بالنجاسة هو نفس الرطوبة ، كلّا ثمّ كلّا ، هذا كلّه في غير الحيوان.
وأمّا في الحيوان فإن قلنا بأنّ عروض النجاسة على جسم الحيوان ينجّسه كما هو المشهور ، وأنّ زوالها مطهّر له فاستصحاب نجاسة جسم ذلك الحيوان مع ملاقاة الرطب بالوجدان وتحقّق السراية يوجب نجاسة الملاقي له إن قلنا إنّ موضوع نجاسة الملاقي مركّب من هذين الأمرين ، وإن لاقى جسما جافّا بحيث يشكّ في تحقّق السراية فلا يحكم بنجاسة الملاقي إلّا على الأصل المثبت.
وإن قلنا بأنّ عروض النجاسة على جسم الحيوان لا توجب تنجيسه فهو كالكرّ لا ينجس بنجاسة ملاقيه الرطب ، بل إنّ الرطوبة تبقى على نجاستها والجسم الّذي
__________________
(١) انظر فوائد الاصول ٤ : ٤٩٦ ، وأجود التقريرات ٤ : ١٣٨.
(٢) حكاه الشيخ في الفرائد عن المحقّق ، انظر الفرائد ٣ : ٢٤٤.
(٣) انظر الفرائد ٣ : ٢٤٤.