وأمّا إن كان السببيّة بالنحو الثاني ـ يعني بنحو العنوان الثانوي ـ لفعل المكلّف نفسه وهو المولى لا المكلّف فنقول : إنّه خارج عن محلّ كلامنا ، لأنّ كلامنا في التزاحم في مقام الامتثال والفرق بينه وبين التعارض. وأمّا التزاحم في فعل المولى فهو خارج عن محلّ الكلام كما بيّناه في صدر المبحث ، ومع ذلك فنقول : إذا كانت المصلحة في جعل المولى الوجوب ، مثلا إذا أدّت إليه الأمارة فلا تزاحم ولا تعارض في جعله بل يجعلهما معا لكن إن كان لهما ثالث أيضا فيكون الوجوب تخييريّا ولا يكون من باب التزاحم أيضا ، وإلّا فلا يكون إلّا من باب التعارض سواء فيها جميع الصور المذكورة فيما تقدّمها ، ولكن يلزم المكلّف العمل على طبق أحدهما تخييرا لعدم تعيّن ما صدر عن المولى في مقام الجعل فيتخيّر في ذلك.
فتلخّص أنّ القول بالتزاحم مطلقا على السببيّة باطل ، وقد وقع في كلام الشيخ (١) والآخوند (٢) والميرزا (٣) وغيرهم (٤) بل التزاحم في خصوص ما ذكرنا وفي غيرها التعارض.
في مرجّحات باب التزاحم
الأوّل : ما ذكره جماعة (٥) وهو أن يكون أحد الواجبين موسّعا والآخر مضيّقا فيقدّم المضيّق وإن كان ذا مصلحة قليلة على الموسّع وإن كان ذا مصلحة مهمّة جدّا. ولا يخفى أنّ ما ذكر من تقديم المضيّق وإن كان صحيحا إلّا أنّه ليس داخلا في باب
__________________
(١) انظر الفرائد ٤ : ٣٧.
(٢) كفاية الاصول : ٥٠٠.
(٣) انظر أجود التقريرات ٤ : ٢٧٥.
(٤) نهاية الأفكار ٤ (الجزء الثاني) : ١٨٠ ـ ١٨١.
(٥) منهم الميرزا النائيني والشيخ آغا ضياء الدين العراقي انظر أجود التقريرات ٤ : ٢٧٦ ، ونهاية الأفكار ٤ (الجزء الثاني) : ١٣٢.