وربّما مثّل له بإزالة النجاسة عن المسجد بالماء أو الوضوء به للصلاة ، فإنّ القدرة في الأوّل معتبرة عقلا وفي الثاني وهو الوضوء شرعا ، فحكم بتقديم إزالة النجاسة لتحصيل الملاك الملزم وفوات ملاك الوضوء مثلا للصلاة بفوات موضوعه وهو وجدان الماء.
إلّا أنّ التأمّل يقضي بعدم صحّة المثال أيضا ، لأنّ هذا الفرض إن كان قبل وقت الصلاة فلا تزاحم ، لعدم أمر بالوضوء. وإن كان بعد دخول وقتها ، فإن كان امتثال أمر الإزالة هو الرافع للقدرة فهو تعجيز لنفسه وتفويت للملاك ، وإن كان الأمر بالإزالة رافعا للقدرة فهو فرع تقدّمه وهو أوّل الكلام ، وعليه فلا تزاحم حينئذ.
ومنه يظهر أنّ هذه الكبرى الكلّية غير تامّة أيضا ، فإنّ تعجيز الإنسان نفسه غير جائز ، لأنّه تفويت للملاك الملزم ، كما أنّ الصغرى وهي المثال المذكور لا يتحقّق التزاحم فيه من غير الجهة السابقة ، بل من جهة أنّ الوضوء مأمور به بالأمر الضمني الإرشادي إلى اعتباره في الصلاة مثلا ولا يقع التزاحم إلّا بين واجبين نفسيين كما سيأتي.
وكما في إنقاذ الغريق المحترم والتصرّف في الأرض المغصوبة ، فإنّ التصرّف فيها وإن كان حراما وتركه واجب إلّا أنّ إنقاذ الغريق أهمّ من ترك التصرّف فيتقدّم عليه.
الرابع : من المرجّحات ما إذا كان أحدهما أسبق زمانا من الآخر ، كما إذا تردّد أمر العاجز عن صوم شهر رمضان بأسره بين صوم النصف الأوّل من الشهر وصوم النصف الثاني فيقدّم صوم النصف الأوّل ثمّ يعجز في النصف الثاني فيفطر ، نعم لو كان المتأخّر أهمّ لزم حفظ القدرة على الأهمّ ولو بترك المهمّ.
ولكنّ هذا الكلام إنّما هو حيث يكون التكليفان متوجّهين إليه فعلا ، غايته أنّ أحدهما منجّز والآخر معلّق. وأمّا لو كان التكليف واحدا بمركّب ذي أجزاء ، كما في القيام في الركعة الاولى والقيام في الركعة الثانية لو كان المكلّف قادرا على أحدهما