[تنقيح موارد التعارض]
ثمّ إنّه يقع الكلام في تنقيح موارد التعارض ثمّ فيما تقتضيه القاعدة فيها.
فنقول : قد عرفت فيما تقدّم أن لا تعارض بين دليل الحاكم والمحكوم كلّية ، ضرورة أنّ أحدهما يثبت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، والثاني ينفي الموضوع مثلا كما في قوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا)(١) وقوله : (لا ربا بين الوالد وولده) (٢). وكذا لا تعارض أيضا بين العامّ والخاصّ ، لأنّ عموم العامّ إنّما هو ببناء العقلاء على كون الظاهر مرادا للمتكلّم ولا بناء لهم في صورة وجود الخاصّ ، ضرورة أنّهم يرون الخاصّ قرينة على عدم إرادة الظهور في العموم ، فيتقدّم الخاصّ حينئذ كتقدّم موارد القرينة على ذي القرينة ، بل هو يعتبر قرينة ، فهو في الحقيقة حاكم على أصالة الظهور ورافع لموضوعها لا كحكومة الأحكام ، بل حكومة على أصالة الظهور.
ومن هنا ظهر أنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنّ تقدّم الخاصّ على العامّ إنّما هو حيث يكون الخاصّ أظهر من حيث الحكم على العامّ من حيث الحكم (٣) لا وجه له ، بل المناط الحكومة المذكورة ، وهي حاصلة حتّى بين ما هو أقلّ أفراد الظهور الحكمي في الخاصّ على ما هو أقوى مراتب الظهور الحكمي في العامّ. فقد ظهر أنّه ليس من موارد التعارض كلّية ، بل كلّ قرينة تتقدّم على ما اقيمت القرينة عليه فتصرفه إلى مؤدّى القرينة.
ومن جملة ما هو خارج عن بحث التعارض ما ذكره الشيخ الأنصاري ـ وهو من صغريات القرينة وذيها ـ ما إذا كان أحد الدليلين عامّا شموليّا بالوضع والآخر مطلقا شموليّا (٤) فإنّ العموم الشمولي تنجيزيّ باعتبار عدم توقّف دلالته على إجراء
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) انظر الوسائل ١٢ : ٤٣٦ ، الباب ٧ من أبواب الربا ، الحديث ١ و ٣.
(٣) انظر فرائد الاصول ٤ : ١٥ و ٨٩.
(٤) انظر المصدر السابق : ٩٨.