في مرجّحات الرواية وعددها
قد ذكرنا أنّ أجمع الروايات لذكر المرجّحات هي المقبولة والمرفوعة فنقول : أمّا المقبولة فقد ذكرت أوّل شرائط الرواية «الشهرة» وما قدّمتها من الصفات إنّما هي مرجّحات للحكم والحاكم لا للرواية ، فالمقبولة قد صدرت مرجّحات الرواية بالشهرة.
وفي المرفوعة قد ذكرت بعد الشهرة مرجّحات الراوي من الأعدليّة والأوثقيّة.
ولا يخفى عليك أنّ المرفوعة مع ضعفها بما مرّ يزيدها وهنا أنّ الترجيح بصفات الراوي لم يكن معهودا قبل زمن العلّامة ، بل إنّ تقسيم الروايات إلى صحيح وموثّق وحسن وضعيف إنّما أسّسه العلّامة قدسسره (١) ولم يكن معروفا قبل ، ولذا لم يذكر الكليني في ديباجة الكافي الترجيح بغير ما في المقبولة أصلا (٢).
والاعتذار عنه بأنّه بان على صحّة جميع ما في الكافي (٣) لا يرفع الإيراد ، لأنّه لا يرى تساوي جميع الرواة لهذه الروايات المودعة فيه قطعا وإن اتّصفت بالصحّة ، فإنّ الصحّة إنّما يفتقر فيها إلى العدالة والكلام في الأعدليّة والأورعيّة.
كما أنّ الاعتذار بأنّ المتقدّمين على العلّامة لم يذكروا الترجيح بصفات الراوي لظهوره (٤) فاسد أيضا ، فإنّه ليس بأظهر من موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، قد ذكرا مع وضوحهما ، مضافا إلى أنّ إطلاق المقبولة يلغي اعتبار الأعدليّة والأصدقيّة في الراوي ، فإنّ الأخذ بما حكم به أفقههما وأعدلهما وأصدقهما في الحديث شامل بإطلاقه لما إذا كان راوي روايته عادل ، وراوي رواية غير الأفقه والأعدل أفقه وأعدل وأصدق ، فافهم.
__________________
(١) انظر المنتهى ١ : ٩ ـ ١٠ ، والحدائق ١ : ١٤.
(٢) انظر الكافي ١ : ٨ ـ ٩.
(٣) انظر الفوائد المدنية : ٥٠.
(٤) انظر الوسائل ٢٠ : ٩٦ ـ ١٠٤ ، الفائدة التاسعة.