ولا يخفى عليك ما فيه :
أمّا أوّلا : فلأنّ معناه على هذا الأخذ بالرواية إذا كان رواتها أكثر من رواة الثانية ولو بواحد ، بأن كان رواة إحداهما واحدا مثلا ورواة الاخرى اثنين ، لأنّ ما رواتها اثنان لا ريب فيه بالإضافة ، وهو مع أنّه خلاف صريح الرواية ، إذ قد علّق المرجّح على كونها مشهورة لا ريب فيها ، ولو كان يكفي ما ذكر لقال : إذا كان الراوي اثنين مثلا ، فتأمّل ، ومع ذلك فهو نفسه لا يلتزم بذلك.
وأمّا ثانيا : فلأنّ «لا ريب فيه» ليس المراد منها نفي الريب عقلا كما ذكره ، ولكن أيضا ليس المراد نفي الريب بالإضافة لما ذكرنا ، بل المراد نفي الريب عرفا وهي المعبّر عنها بالمستفيضة عندنا ، وحينئذ فكلّما كانت الرواية لا ريب فيها عرفا بحيث يطمئنّ بصدورها نتعدّى إليها ونطرح المعارض عملا بالعموم ولكن أنّى يوجد ذلك فيها.
الثاني : قوله عليهالسلام على ما ذكره هو : «فإنّ الرشد في خلافهم» تعليلا للأخذ بما خالف العامّة وبعمومه يتعدّى ، فإنّ المراد بالرشد ليس لمخالفتهم ، لأنّهم يكذبون في كلّ ما خالفنا ، لأنّ كثيرا من أحكامهم موافقة لنا قطعا ، بل لأنّ ما يصدر عن الأئمّة على طبق مذاهب العامّة فهو للتقيّة حيث يوجد له معارض ، لقوّة احتمال التقيّة حينئذ أو لكذب العامّة كثيرا ولعملهم بالقياس.
وحينئذ ف (الرشد) بمعنى الحقّ والواقع لا بمعنى الحسن كما في الكفاية احتماله (١) ، ولا بمعنى الرشد بالإضافة إلى معارضه ، بل المراد منه الحقّ ويكون مخالفة العامّة طريقا غالب الإصابة للواقع ، نظير قاعدة اليد وسوق المسلمين ، وليس المراد منه الحسن لعدم كونه ذا دخل في الطريقيّة ولا الرشد الإضافي لعدم فهم العامّة له ، فكلّما كان الاحتمال لعدم الصدور أقوى في الرواية يؤخذ بالطرف الثاني (٢).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٥٠٩.
(٢) انظر فرائد الاصول ٤ : ٧٧ ـ ٧٨.