وإلغاء خصوص مورد التعارض لا معنى له ، لأنّ كذب أحدهما لا يتبعّض فيكون كذبا بالإضافة إلى مورد الاجتماع وصدقا بالإضافة إلى مورد الافتراق فلا يمكن أن تجري فيه أحكام المتعارضين لذلك.
ومن هنا فصّل الميرزا النائيني قدسسره فألغى المرجّحات السنديّة فلم يرجّح بها ولكنّه رجّح بالمرجّحات الدلاليّة والجهتيّة فألغى المرجّحات بصفات الراوي وبالشهرة ، ولكنّه رجّح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة في العموم من وجه بدعوى ظهور المرجّحات السنديّة في المتكاذبين بجميع مدلولهما بخلاف غيرهما كما في المقام ، فإنّه يمكن أن يكون التصريح بعموم أحد العمومين ، كان للتقيّة أو غير مراد جدّا (١).
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ تسمية بعض المرجحات بالسنديّة ، واخرى بالدلاليّة ، والثالثة بالجهتيّة اصطلاح خاصّ للمتأخّرين من الاصوليّين وليس له ذكر في الأخبار أصلا ، وحينئذ فجاز أن تكون المرجّحات كلّها صدوريّة أو كلّها دلاليّة ، وحينئذ فإذا كان عموم أخبار التعارض شاملا للمتعارضين بنحو العموم من وجه سرت فيه جميع المرجّحات وإلّا فلا يجري واحد منها أصلا.
وقبل الخوض فيما هو المختار في المقام نقدّم مقدّمة تمهيديّة هي أنّ الأحكام تارة تكون ثابتة للدالّ واخرى للمدلول ، فمن الأوّل الكذب فإنّه حكم ثابت للدالّ بحسب الظاهر ، فإنّ من قال : جاء العلماء ، ولم يجيء واحد منهم ، لا يحكم عليه بأنّه كذب خمسين كذبة إذا كان عدد العلماء خمسين ، ولا يعاقب من الشارع بخمسين عقابا ، وإنّما يعاقب بعقاب واحد ويعدّ كاذبا كذبة واحدة ، وهذا بخلاف الغيبة فإنّ من اغتاب جماعة فقال : هؤلاء فسّاق مثلا ، عدّ مغتابا لكلّ واحد واحد منهم ويعاقب بعقابات متعدّدة لكلّ واحد منهم ، ولا بدّ أن يستوهب من كلّ فرد لو أراد التوبة.
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٧٩٤.