في التخطئة والتصويب
أمّا في المسائل العقليّة فلا خلاف في أنّ المتخالفين إذا اختلفا في أصالة الوجود أو الماهيّة أو اختلفا في كون العلم من مقولة الكيف أو الإضافة أو في غيرها من المسائل العقليّة أحدهما مخطئ قطعا وقد يخطئ الثاني وقد يصيب ، وإنّما الكلام في الشرعيّات فذهبت الأشاعرة إلى التصويب وأنّ كلّا من المتخالفين مصيب لحكم الله الواقعي ، وذهبت الإماميّة والمعتزلة إلى التخطئة ، غير أنّ المعتزلة ذهبت إلى أنّ الحكم الواقعي يمحى إذا قامت الأمارة على خلافه ، والإماميّة بانون على بقائه ، وقد استندوا في بقاء الحكم الواقعي وإن قامت الأمارة على الخلاف إلى الإجماع والأخبار المدّعى تواترها في أنّ لله أحكاما يشترك فيها العالم والجاهل والملتفت والغافل ، ونحن في غنية عن الإجماع والأخبار ، فإنّ أدلّة الأحكام الأوليّة كافية في ذلك ، فإنّ أدلّة كون الخمر نجسا بإطلاقه شامل لما إذا قامت أمارة على خلافه ، وليس في أدلّة الأمارات ما يستشعر منه انقلاب حكمه إذا قامت الأمارة على خلافه حتّى نقول بسببيّة المعتزلة أصلا.
نعم ، بيننا وبين صاحب الكفاية كلام في أنّ الأحكام الواقعيّة إنشائيّة وقيام الأمارة إذا أصابها يوصلها إلى مرتبة الفعليّة ، وإن أخطأها يوجب تحقّق المانع عن فعليّتها كما يلوح من كلمات صاحب الكفاية (١) ، أو إنّها فعليّة وقيام الأمارة يوجب وصولها وعدم قيام الأمارة يوجب عدم الوصول.
(وأمّا الأحكام الظاهريّة ففي مرتبة جعلها لا بدّ من القول بالتخطئة ، فإذا ذهب بعض إلى حجيّة الاستصحاب على الإطلاق كالآخوند ، وآخر إلى عدم حجّيته مطلقا ، وآخر إلى التفصيل بين الشبهة الحكميّة الكليّة فليس حجّة ، وبين الشبهة الموضوعيّة فهو حجّة ، لا بدّ من كون اثنين منهم على خطأ فهذا شكّ في مرتبة جعل الحكم الظاهري.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣١٩ ـ ٣٢١.