وفيه أوّلا : أنّها في الحكم ، والكلام في التقليد ، وقياس أحدهما على الآخر قياس مع وجود الفارق إذ لا معنى للتخيير في القضاء.
وثانيا : أنّه لم يقل : الحكم ما حكم به أفقه المسلمين كافّة ، وإنّما قال : أفقههما ، وهو بإطلاقه شامل لما إذا كان هناك أعلم منهما معا.
وثالثا : أنّها ذكرت الترجيح بالأورعيّة والأصدقيّة ولا ترجيح بهما (في الفتوى إجماعا. هذا كلّه مع ضعف سند الرواية وإن سمّيت مقبولة ، فإنّ عمر بن حنظلة لم يثبت توثيقه وأيضا فإنّها في خصوص صورة العلم بتخالفهما وقد ذكرنا لزوم تقليد الأعلم حينئذ) (١).
ومنها : قوله عليهالسلام : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك» (٢). وفيه بعض الكلام المتقدّم في المقبولة.
ومنها : أنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع. وفيه إنكار الصغرى والكبرى ، فإنّ كون فتواه أقرب إلى الواقع ممنوعة ، إذ المفضول إذا كانت فتواه مطابقة لفتوى الميّت الّذي هو أفضل من الجميع تكون أقرب إلى الواقع. وأمّا الكبرى فإنّ الأقربيّة إلى الواقع ليست معيارا في جواز التقليد ، إذ لا دليل عليها.
بقي هنا شيء هو أنّ في صورة العلم الإجمالي أو التفصيلي بالمخالفة لا بدّ من الفحص عن الأعلم للزوم تقليده والعمل على فتواه فيجب الفحص من باب المقدّمة ، بخلاف الصورة الثانية فلا يجب الفحص ، وفي الاولى أيضا لو علمنا بأنّ أحدهما أعلم ولم نشخّصه بخصوصه لا بدّ من الاحتياط بين الفتويين إن أمكن وإلّا فالتخيير ، ولو لم يعلم أعلميّة أحدهما بأن احتملت المساواة بينهما وأعلميّة كلّ منهما من الآخر ، فإن ظنّ أنّ زيدا أعلم قالوا يتعين عليه تقليد من ظنّ أعلميّته ، وإن لم يظنّ بل احتمل يتعيّن تقليد محتمل الأعلميّة ، وإن لم يحتمل يتخيّر.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.
(٢) نهج البلاغة : ٤٣٤ ، الرسالة ٥٣.