وأمّا الكلام في الإشكال الثاني وهو إشكال اجتماع المثلين أو الضدّين ، وتقريره : أنّ الحكم المجعول في الطرق والأمارات إن كان مماثلا للحكم الواقعي لزم اجتماع المثلين ، وإن كان مخالفا لزم اجتماع الضدّين ، وكلاهما محال. وهذا الإشكال ـ وهو إشكال استحالة الاجتماع المثلين أو الضدّين ـ لا يخصّ الحكيم بل أنّ استحالة اجتماعهما ذاتيّة ، بخلاف الإشكال المتقدّم فإنّ تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ليس مستحيلا إلّا على الحكيم.
ولا يخفى أنّ دفع هذا الإشكال بالنسبة إلى اجتماع المثلين ليس بهذه الأهميّة ، لأنّ الحكم الثاني المماثل إن كانت مصلحته هي مصلحة الحكم الأوّل فلا يخفى حينئذ أنّه ليس حكما ذاتيّا أصلا وإنّما هو موصل للحكم الأوّل وطريق إليه ، نظير قول القائل «أكرم زيدا» فإذا فرض عدم وصول هذا الخطاب إلى المكلّف أو عدم معرفته بزيد فيخاطب ثانيا بقوله «أكرم ابن عمرو» مثلا فهو طريق موصل للحكم وليس حكما آخر. وإن كان فيه مصلحة اخرى غير مصلحته الأوّليّة كما لو قلنا بالسببيّة فهو يكون حينئذ مؤكّدا له ، نظير أمر الوالد ابنه بواجب شرعي ونذر الواجب وأمر السيّد عبده بما نذره بإذنه مثلا وغير ذلك من الواجبات المؤكّدة لجهتين فيها أو أكثر.
وإنّما الإشكال كلّ الإشكال في جواب إشكال اجتماع الضدّين ، وقد اجيب عنه بعدّة أجوبة :
فمنها : ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره (١) وملخّصه أنّ الجمع بين الضدّين لأدائه في الحقيقة إلى الجمع بين النقيضين من جهة أنّ البياض مثلا ضدّ السواد لكنّه لملازمته لرفع السواد يؤول إلى اجتماع النقيضين ، وقد اعتبر في استحالة اجتماع النقيضين الوحدات الثمانية وقد أضاف بعضهم إليها وحدة الحمل فصارت تسعة ، ومن جملة الوحدات الوحدة في الموضوع ، والموضوع هنا مختلف فإنّ الموضوع للحكم الواقعي
__________________
(١) انظر الفرائد ١ : ١٢٢ و ٤ : ١٢.