ولا يخفى أنّ مراده قدسسره من الشانيّة للحكم الواقعي إن كان بمعنى أنّ مقتضى الحكم الواقعي موجود إلّا أنّ قيام الأمارة على خلافه مانع عن إنشائه وجعله ، فهذا هو عين تصويب الأشعري المجمع على بطلانه. وإن كان مراده أنّ الأحكام الواقعيّة طبعيّة ـ بمعنى أنّها أحكام لطبائع الأشياء مع قطع النظر عن عوارضها نظير جواز الصلاة فيما يحلّ أكله أي يحلّ أكله بحسب طبعه فلا يشمل ما يحلّ أكله من جهة الضرورة ، وكذا حرمة الصلاة في أجزاء ما لا يحلّ أكله أيضا بحسب طبعه وإلّا فلو حرم أكله لصوم في نهار شهر رمضان مثلا فيجوز الصلاة فيه ـ فمراده من الأحكام الواقعيّة أنّها ثابتة للأشياء بشأنها لكن قيام الأمارة يكون نظير عنوان الاضطرار موجبا لتغيّر العنوان الواقعي عمّا هو عليه إلى مؤدّى الأمارة ، فهذا عين التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه أيضا.
وإن كان مراده أنّ الحكم الواقعي جعل من غير ملاحظة للخصوصيّات ، فإن اريد أنّه التفت إلى الخصوصيّات ولم يلحظها لعدم اعتبارها في الحكم فهذا معناه الإطلاق لأنّه رفض القيود وحينئذ ففي صورة قيام الأمارة يجتمع الحكمان ، وإن أراد أنّ الحكم مهمل من ناحية الخصوصيات فقد بيّنّا أنّ الحكم الواقعي لا يعقل أن يكون مهملا أصلا.
وإن كان المراد من الحكم الإنشائي أنّ الحكم الواقعي إنشائي ولم يصل إلى مرتبة الفعليّة في صورة قيام الأمارة على خلافه فقد ذكرنا أنّ فعليّة الحكم الواقعي وعدمها ليست بيد المولى ، بل أنّ الحكم إن كان موضوعه موجودا كان فعليّا ، وإن كان موضوعه مفقودا لم يكن فعليّا. وبالجملة فما ذكره الآخوند قدسسره لا يجدي طائلا فلا بدّ من جواب آخر.
ومنها : ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١) وملخّصه ـ بعد حذف ما لا ربط له في المقام
__________________
(١) انظر الفوائد ٣ : ١٠٥ ، وأجود التقريرات ٣ : ١٢٨.