وعن الباقر عليهالسلام : «كادت تخبر بخبره أو تموت » (١) ﴿لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا﴾ وشددنا ﴿عَلى قَلْبِها﴾ بالصبر والثبات بتذكرها ما وعدناه من ردّه إليها سالما وجعله رسولا.
وقيل : إنّ المراد صار فؤادها فارغا من كلّ غمّ وخوف لمّا سمعت أنّ امرأة فرعون عطفت عليه ، وكادت تبدي أنّه ولدها ، ولم تملك نفسها فرحا لو لا أن سكّنّا ما بها من شدّة الفرح (٢) ، وعلى أي تقدير كان ذلك الربط ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والمصدّقين بقدرتنا وصدق وعدنا ﴿وَقالَتْ﴾ امّ موسى ﴿لِأُخْتِهِ﴾ لأبيه وامّه اسمها مريم أو كلثوم : ﴿قُصِّيهِ﴾ وفتّشي خبره ، واتّبعي أثره ، وانظري كيف حاله ، فجاءت إلى باب فرعون ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾ ورأته ﴿عَنْ جُنُبٍ﴾ وناحية بعيدة عند فرعون وأهله ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ ولا يلتفتون إلى أنّها اختها جاءت لتعرف حاله وتفتيش كيفية تعيّشه.
﴿وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ
وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ * فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ
اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى تدبيره في ردّ موسى عليهالسلام إلى امّه حسب وعده إياها بقوله : ﴿وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ ومنعنا عنه لبن المرضعات ، أو ثديّات (٣) النساء بالنّفار عنها.
قيل : إنّ امّه أرضعته ثلاثة أشهر حتى عرف ريحها (٤) .
قيل : لم يقبل ثدي أحد ثمانية أيّام ، وكان يرتضع من لبن يخرج من إصبعه ، فاضطربت آسية وقومها من ذلك ، ﴿فَقالَتْ﴾ اخت موسى لفرعون وأهله بعد أن رأت عدم قبول موسى ثدي أحد ، واعتناء فرعون بشأنه ، وطلبهم امرأة يقبل ثديها : ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ ويضمنون إرضاعه وتربيته ﴿وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ﴾ وكلّ لنفعه وخيره طالبون ، وبحضانته مجدّون؟
قيل : إنّ هامان قال : إنّها تعرفه وتعرف أهله. قالت : إنّما أردت إن هم للملك ناصحون (٥) .
روي أنّهم قالوا لها : من يكفله ؟ قالت : امّي. قالوا : ألامّك لبن ؟ قالت : نعم ، لبن هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها صبيّ ، فقالوا : صدقت (٦) .
وقيل : إنّها قالت : هي امرأة قد قتل ولدها ، فأحبّت أن تتّخذ صغيرا ترضعه. قالوا : اذهبي وأتينا بها ، فرجعت إلى امّها فأخبرتها بالقصّة ، فجاءت مع ابنتها إلى فرعون ، فرأت موسى عنده وهو يبكي ،
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٩.
(٣) كذا ، وجمع الثدي : أثد أو ثديّ.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٣٠.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٨٧.
(٦) ايضا.