وكان دخول موسى عليهالسلام فيها ﴿عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها﴾ وفي وقت لا يعتاد دخولها فيه. عن ابن عباس : دخلها في الظهيرة عند المقيل (١) .
وفي رواية اخرى عنه : كان بين العشاءين ، كما عن الرضا عليهالسلام (٢) .
وعن أمير المؤمنين : « دخلها في يوم عيد كان أهلها مشغولين باللهو واللّعب ، وكانت المسالك خالية من المارة (٣)﴿فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ﴾ ويتنازعان إذا نظر احد إليهما قال ﴿هذا﴾ الرجل الذي اسمه السامري على قول (٤) ، أو ندمي على آخر من بني إسرائيل الذين هم ﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾ وأتباعه في دينه ﴿وَهذا﴾ الرجل الآخر من القبط الذين هم ﴿مِنْ عَدُوِّهِ﴾ ومبغضيه ومخالفيه في دينه. قيل : كان خبّاز فرعون. وقيل : طبّاخه ، اسمه فاتون على قول (٥) ، أو فليقون على آخر ، كان يريد أن يسخر الاسرائيلي لحمل الحطب إلى مطبخ فرعون (٦) .
فلمّا جاء موسى ﴿فَاسْتَغاثَهُ﴾ واستنصره الرجل ﴿الَّذِي﴾ كان ﴿مِنْ شِيعَتِهِ﴾ وتابعيه ، واستعان به ﴿عَلى﴾ دفع ﴿الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ القبطي ، فقال : موسى : يا قبطي ، خلّ الاسرائيلي ، ولا تتعرّض له ، فلم يعتن به ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى﴾ وضربه بالكفّ المقبوض ضربة واحدة ﴿فَقَضى﴾ الله لشدّة قوّة موسى ﴿عَلَيْهِ﴾ بالموت فمات ، فندم موسى من فعله الذي كان خلاف الأولى ، و﴿قالَ هذا﴾ القتل ﴿مِنْ عَمَلِ﴾ من يعمل بإغواء ﴿الشَّيْطانِ﴾ ووسوسته لا من عمل مثلي ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ﴾ لابن آدم ﴿مُضِلٌ﴾ له عن طريق صلاحه ﴿مُبِينٌ﴾ ومتظاهر في عداوته وإضلاله.
وانّما كان عمله خلاف الأولى ؛ لأنّه لم يؤمر بقتل الكفّار ، أو لكونه مأمونا فيهم ، فلم يكن له اغتيالهم ، ولذا استغفر ربّه و﴿قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ بقتل القبطي الذي كان تركه أولى لي (٧)﴿فَاغْفِرْ لِي﴾ ما صدر منّي من العمل الذي هو بمنزلة الذنب في حقّي ﴿فَغَفَرَ﴾ الله ﴿لَهُ﴾ ذلك برحمته ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ للذنوب العظام فضلا عن ترك الأولى ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالتائبين خصوصا موسى عليهالسلام.
﴿قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٠.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٩٨ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٣ ، وفيهما : بين المغرب والعشاء.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٣٨١ عن ابن عباس.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٠.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٠.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٠.
(٧) في النسخة : مني.