فنظرت آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها ، فعالجته وفتحته ، فاذا هي بصبيّ صغير يتلألأ النور من بين عينيه ، فألقى الله محبتّه في قلوب القوم ، وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرئت ، فضمّته إلى صدرها (١) .
وقيل : إنّها لما رأته برئت ، فقال الغوادة من قوم فرعون : إنا نظنّ أنّ هذا هو الذي تحذر منه ، فرمي في البحر خوفا منك ، فهمّ فرعون بقتله (٢) .
﴿وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ - وكانت من خيار نساء بني إسرائيل من سبط لاوي على ما قيل (٣) . وقيل : كانت عمّه موسى ، لمّا أخرجته من التابوت ، وأحبّته للنور الذي بين عينيه (٤) ، أو لملاحة وجهه ، أو لبرء بنته بريقه ، أو لأنّه يمتصّ إصبعه ، أو لأنّه لم يكن لها ولد ذكور (٥) - : يا فرعون هذا الطفل ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ﴾ وسرور قلب ﴿لِي وَلَكَ﴾ عن ابن عباس : قال فرعون قرّة عين لك ، وأمّا أنا فلا حاجة لي فيه. فقال عليهالسلام :«والذي يحلف به لو أقرّ فرعون بأنّه قرّة عين له كما أقرّت ، لهداه الله كما هداها»(٦) . ثمّ لمّا اطلعت على أنّ فرعون همّ بقتله استوهبته منه وقالت : ﴿لا تَقْتُلُوهُ﴾ وإنّما خاطبته بصيغة الجمع تعظيما له ، لتساعدها على مسألتها ، ثمّ ذكرت ما يرغبه في إجابتها بقولها : ﴿عَسى﴾ ونرجو ﴿أَنْ يَنْفَعَنا﴾ ويصل إلينا منه خير كثير لما فيه من أمارة اليمن والبركة ، من لمعان النور من وجهه ، وارتضاعه من إصبعه ، وشفاء البنت بريقه ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ﴾ لأنفسنا ﴿وَلَداً﴾ لكونه أهلا للتبنّي للملوك ، فأجاب فرعون مسألتها ووهبة لها ، فاشتغل فرعون وآسية وخدمها بتربيته ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ بخطأهم العظيم في رجاء النفع منه والتبنّي له وتربيته ، لكون هلاكهم وذهاب ملكهم بيده ﴿وَأَصْبَحَ﴾ وصار ﴿فُؤادُ أُمِّ مُوسى﴾ لمّا سمعت أنّ ولدها في يد فرعون ﴿فارِغاً﴾ وخاليا من العقل والصبر من فرط الخوف ، أو خاليا من كلّ همّ إلّا همّ موسى ، أو خائفا ومشفقا عليه ، أو فارغا من الوحي الذي أوحينا إليها قبل وناسيا له.
قيل : إنّ الشيطان جاءها ، فقال لها : كرهت أن يقتل ولدك ويكون لك الأجر ، فتولّيت إهلاكه وابتليت بالعقوبة ، فلمّا اطّلعت أنّ ولدها وقع في يد فرعون أنساها عظم البلاء عهد الله إليها (٧)﴿إِنْ﴾ الشأن أنّها ﴿كادَتْ﴾ وقربت ﴿لَتُبْدِي﴾ بموسى وتظهر ﴿بِهِ﴾ من ضعف البشرية وفرط الاضطراب.
عن ابن عباس : كادت تخبر بأنّ ما وجدتموه ابني (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٨.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٨٤.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٨٤.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٨.
(٧) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٢٩.
(٨) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٣٠.