القتال ... فقتلنا عددا منهم وكلّما قتلنا رجلا حملوه حتى يدخلوه الحصن .. وقتل يومئذ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله : أبو صيّاح والحارث بن حاطب وعديّ بن مرة.
ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه ، حتى أدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم إلى جوفه ، فلما دخلنا عليهم الحصن أمسوا لنا كالأغنام فقتلنا من أشرف لنا وأسرنا من شئنا منهم ، وهربوا في كل وجه يريدون حصن قلعة الزبير ، وتركناهم يهربون ، وصعد المسلمون على جدره فكبّروا عليه تكبيرا كثيرا.
ووجدنا فيه من الأطعمة ما لم نظن أنّه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والشحوم. ونادى منادي رسول الله : كلوا واعلفوا ، ولا تحتملوا. فكان المسلمون يأخذون من ذلك الحصن طول مقامهم هناك طعامهم وعلف دوابهم ، لا يمنع أحد أن يأخذ حاجته ، من دون أن يخمّس. ووجدوا فيه خوابي الخمر الكبار لا يطاق حملها ، فأمرهم النبي فكسروها حتى سال الخمر في الحصن.
وروى عن أبي ثعلبة الخشني قال : ووجدنا فيه أواني من نحاس وفخّار قد أكل اليهود فيها وشربوا ، فسألنا رسول الله عنها فقال : اسخنوا فيها الماء ثم اطبخوا فيها وكلوا واشربوا. وأخرجنا منه حمرا وبقرا وغنما كثيرا ، وآلة للحرب كثيرة ودبابات ومنجنيقا وعدة ، فعلمنا أنهم كانوا يظنون أن الحصار يكون دهرا طويلا ، فعجّل الله خزيهم. ووجدوا فيه من البزّ عشرين شدة محزومة من غليظ متاع اليمن ، وألفا وخمسمائة قطيفة.
وكان رجل من المسلمين يقال له عبد الله كان لا يصبر عن الشراب وقد ضربه رسول الله مرارا ، فعمد يومئذ فشرب من خمر اليهود ، فرفع أمره إلى النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم فخفقه بنعله ، فخفقه من حضره بنعالهم (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٢ ـ ٦٦٥.