فى كثير من القرآن. وفى إحدى القراءتين (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ) ، فلذلك اخترنا الرفع فى (الْبِرُّ) ، والمعنى فى قوله (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) أي ليس البرّ كله فى توجّهكم إلى الصلاة واختلاف القبلتين (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) ثم وصف ما وصف إلى آخر الآية. وهى (١) من صفات الأنبياء لا لغيرهم.
وأمّا قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) فإنه من كلام العرب أن يقولوا : إنما البرّ الصادق الذي يصل رحمه ، ويخفى صدقته ، فيجعل الاسم خبرا للفعل والفعل خبرا للاسم ؛ لأنه أمر معروف المعنى.
فأمّا الفعل الذي جعل خبرا للاسم فقوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) (٢) ف (هو) كناية عن البخل. فهذا لمن جعل (الَّذِينَ) فى موضع نصب وقرأها «تحسبن» بالتاء. ومن قرأ بالياء جعل (الَّذِينَ) فى موضع رفع ، وجعل (هو) عمادا للبخل المضمر ، فاكتفى بما ظهر فى (يَبْخَلُونَ) من ذكر البخل ؛ ومثله فى الكلام :
هم الملوك وأبناء الملوك لهم |
|
والآخذون به والساسة الأوّل (٣) |
قوله : به يريد : بالملك ، وقال آخر :
إذا نهى السفيه جرى إليه |
|
وخالف والسفيه إلى خلاف (٤) |
يريد إلى السفه.
__________________
(١) كأنه يريد أن هذه الصفات جميعها لا تكمل إلا للأنبياء. والحق أن اجتماعها كاملة جدّ عسير.
(٢) آية ١٨٠ سورة آل عمران.
(٣) آخر قصيدة القطامىّ التي أوّلها :
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل |
|
وإن بليت وإن طالت بك الطيل |
وهذا فى مدح قريش وبنى أمية وعبد الواحد الأموى ، وانظر الديوان.
(٤) «إليه» فى أ «عليه». وانظر الخزانة ٢ / ٣٨٢