وأمّا الذين غلّبوا الذال فأمضوا القياس ، ولم يلتفتوا إلى أنه حرف واحد ، فأدغموا تاء الافتعال عند الذال والتاء والطاء.
ولا تنكرنّ اختيارهم الحرف بين الحرفين ؛ فقد قالوا : ازدجر ومعناها : ازتجر ، فجعلوا الدال عدلا بين التاء والزاى. ولقد قال بعضهم : مزجّر ، فغلّب الزاى كما غلّب التاء. وسمعت بعض بنى عقيل يقول : عليك بأبوال الظباء فاصّعطها فإنها شفاء للطحل (١) ، فغلب الصاد على التاء ، وتاء الافتعال تصير مع الصاد والضاد طاء ، كذلك الفصيح من الكلام كما قال الله عزوجل : (فمن اضطرّ فى مخمصة) (٢) ومعناها افتعل من الضرر. وقال الله تبارك وتعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) (٣) فجعلوا التاء طاء فى الافتعال.
وقوله : (وَمُصَدِّقاً) (٥٠)
نصبت (مصدّقا) على فعل (جئت) ، كأنه قال : وجئتكم مصدّقا لما بين يدىّ من التوراة ، وليس نصبه بتابع لقوله (وجيها) لأنه لو كان كذلك لكان (ومصدّقا لما بين يديه).
وقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) الواو فيها بمنزلة قوله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٤).
وقوله : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) (٥٢)
يقول : وجد عيسى. والإحساس : الوجود ، تقول فى الكلام : هل أحسست أحدا.
وكذلك قوله (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) (٥).
__________________
(١) هو عظم الطحال. وهو مرض. وقوله : اصعطها : هو افتعال من الصعوط وهو لغة فى السعوط بإبدال السين صادا : وهو ما يستنشق فى الأنف.
(٢) آية ٣ سورة المائدة.
(٣) آية ١٣٢ سورة طه.
(٤) آية ٧٥ سورة الأنعام.
(٥) آية ٩٨ سورة مريم.