بعينها مقطّعة ، وإذا لم يأتين متواليات دللن على الكلام المتصل لا على المقطّع. أنشدنى الحارثىّ :
تعلمت باجاد وآل مزامر |
|
وسوّدت أثوابى ولست بكاتب (١) |
وأنشدنى بعض بنى أسد :
لمّا رأيت أمرها فى حطّى |
|
وفنكت فى كذب ولط (٢) |
أخذت منها بقرون شمط |
|
ولم يزل ضربى لها ومعطى |
حتى على الرأس دم يغطى
فاكتفى بحطى من أبى جاد ، ولو قال قائل : الصبى فى هوّز أو كلمن ، لكفى ذلك من أبى جاد.
وقد قال الكسائىّ : رفعت (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هذا) أو (ذلك) وهو وجه. وكأنه إذا أضمر (هذا) أو (ذلك) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها ؛ لأنها لا تكون إلا ولها موضع.
قال : أفرأيت ما جاء منها ليس بعده (٣) ما يرافعه ؛ مثل قوله : حم. عسق ، ويس ، وق ، وص ، مما يقلّ أو يكثر ، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت :
__________________
(١) مرامر هو ابن مرة أو ابن مروة. وهو من أهل الأنبار ، من أوّل من كتب بالعربية. ويريد بآله حروف الهجاء لأنه اشتهر بتعليمها ، أو لأنه سمى أولاده الثمانية بأسماء جملها ، فسمى أحدهم أبجد وهكذا الباقي. وانظر اللسان فى مرر.
(٢) كأنه يتحدّث عن امرأة لا يرضى خلقها ، حاول إصلاحها فلم تنقد له ولم تتقدّم ، كأنها تستمر فى أوّل وسائل تعلمها ، كالصبى لا يعدو فى تعلمه حروف الهجاء. وفنكت فى الكذب : لجت فيه وتمادت. واللط : ستر الخبر وكتمه. والمعط : الشدّ والجذب. والقرون الشمط : يريد خصل شعر رأسها المختلط فيه السواد والبياض ، يريد أنها جاوزت عهد الشباب. وقوله : على الرأس ، فعلى جارة. ويضح أن يقرأ : علا الرأس ، فيكون (علا) فعلا و (الرأس) مفعول.
(٣) فى ش ، ج : «قبله». وظاهر أنه سهو من الناسخ.